رسالة إلى تجار الدم الفلسطيني القاطنين في خارج غزة
بقلم : ناهض زقوت
بعد أن رشف رشفة من فنجان القهوة، أشعل سيجارة، وفتح الفيس بوك، وكتب قاطعوا المنتوجات الاسرائيلية يا أهل غزة، عار عليكم أن تستبدلوا دمكم بمنتوجات اسرائيلية. وانتظر التعليقات والايكات.
هذا القابع في زاوية من بلاد الثلج لا يعلم واقع غزة، هل فيها منتوجات وطنية، أو محلية، لا يعلم أن غزة مسحت معالمها وتحولت لرمال صفراء، ولكن كل هدفه أن يثبت أنه وطني كبير، ويسوق نفسه بهذه الوطنية ليضرب في أهل غزة، ويشكك في وطنيتهم، دون أن يعلم أنه لولا المنتوجات والبضائع الاسرائيلية، غزة تموت من الجوع.
هذا الفيسبوكي وأمثاله كثر، لا يعيشون بيننا، ولا يشعرون بمعاناتنا، هم أصوات جوفاء، ومعول هدم لا بناء.
نحن لا نحتاج صفحاتكم ولا تعليقاتكم ولا كتاباتكم، نحن لدينا كتابات وصفحات وصور ننشرها من واقع الألم الذي نعيشه، وليس في وجعنا زيف ولا خداع، وهذا الوجع لا يشعر به إلا من يكابده.
أما أنتم يا دعاة الشعارات والسوشيال ميديا، والبحث عن الايكات، ودعم الصفحات، والتجارة بدم أهل غزة، أنتم لا تلزمون لنا، ولا نريد نصرتكم ولا دفاعكم.
أنتم أسوء من الاحتلال علينا، لانكم تجملون الواقع المأساوي ببطولات زائفة لا ندعيها، لانكم لم تعيشوا لحظة واحدة بيننا في خيمة على جانب الطريق وبجوارها مكبات الزبالة، وقنوات الصرف الصحي.
أنتم ترسلون صوركم واقلامكم لعالم ليس نحن منه، إنه عالم افتراضي انتم تعيشون فيه، ونحن نعيش الواقع الحقيقي.
لا نريد دعاياتكم التي بفضلها، وبفضل زيفها، لم يخرج عربي مناصر لنا، لأننا بكل بساطة سوبرمان القرن الحادي والعشرين، لا ننكسر، ولا نضعف، ولا نجوع، ولا نعطش، ولا نعرى، ولا نبكي، ولا نتألم، ولا نشعر بالبرد، ولا نشعر بالحر، ولا نمرض.
بل نحن حسب زعمكم لا نموت لأن الموت بكل بساط يهرب منا، لاننا الفولاذ الذي يفل الحديد ويخترقه، ولا يتأثر، ونمشي بين الرصاص كمن يمشي على الماء ولا يغرق، فلم تصيبه الرصاصة لحصانة من الملائكة التي تحارب إلى جواره.
ما هذا الهراء الذي تنشروه، أي دجل تكتبون، وأي زيف تصدرون ؟.
نحن دم ولحم ما زالت تحت الركام والانقاض أجسادنا الطاهرة من سبعة شهور لم يخرجوها.
وفوق ذلك كله بلينا كشعب مغلوب على أمره بمجموعة من المحللين على الفضائيات بارعون في بيع الوهم، يحللون موتنا ودمارنا وهدم مستقبل حياتنا، بكل بساطة أن الاحتلال لم يحقق أهدافه، غير أنه دمر البيوت والمنازل السكنية فقط، وهذا ليس له قيمة، هكذا يصور الأمر أو يقلل من قيمة الحدث الجلل.
كأن هذه البيوت كانت فارغة لا تضم بشرا تحولوا إلى كائنات تسبح في الفضاء باحثة عن مكان يأويها. ولم يشاهد أو يسمع السيد المحلل صراخ الأهالي وعويلهم، والجثث المتفحمة، والاشلاء المتقطعة. ناهيك عن الجثامين المنتشرة في الشوارع تأكلها القطط والكلاب، لم يحقق الاحتلال أهدافه، ليس ثمة قيمة للبيوت والشهداء.
ناموا واهدئوا يا عرب فالأمر بسيط لا يحتاج منكم الانفعال والتعبير عن استنكاركم، ليس أكثر من جدران دمرت، العدو لم يحقق أهدافه.
ناموا واستكينوا .. فما عاد للاجساد المشوية من احتراق النار القادمة من الصفيح الساخن، أية دلالات لتحريك المشاعر لأنها غير ذات قيمة أمام الوهم الذي نبيعه لكم، بلازمة نرددها لكم كلما طللنا عليكم، واستعارها منا كل المسؤولين لنقول معا: العدو لم يحقق أهدافه. ناموا واستكينوا.
تبا لكم، أنتم لستم محللين سياسة ولن تكونوا محللين بول، بل كلامكم مثل البول من طفل فلسطيني على رؤوسكم.
لم نكن يوما فولاذا، ولا حديديا، ولا نحاسا، بل نحن حالة من البشر مستثناه من دون الكون كله للموت والدمار، ولم ننتصر يوما.
غزة: في اليوم ال 238 للحرب 2024