فضائح المسرحية الإيرانية الثانية

بقلم – عمر حلمي الغول

الشعبان الفلسطيني واللبناني كانا تواقين لأي صوت او رد مهما كان نوعه وحجمه على دولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية الباغية، للجم نزعاتها النازية، وعندما أطلقت القوات الإيرانية صواريخها ال300 على إسرائيل اول أمس الثلاثاء 1 تشرين اول / أكتوبر الحالي، في اليوم 361 للإبادة على قطاع غزة وعموم الوطن الفلسطيني، وتكثيف عمليات الاغتيال لقادة حزب الله، وقتل نحو 2000 مواطن لبناني منذ 8 تشرين اول / أكتوبر 2023، وتدمير المباني السكنية في الضاحية الجنوبية/ بيروت ومدن وقرى الجنوب والبقاع وبعلبك والهرمل وغيرها من المناطق، هلل المواطنون فرحا وابتهاجا، معتقدين أن جمهورية الملالي الإيرانية ردت على التغول والاجرام الإسرائيلي انتقاما لاغتيال إسماعيل هنية وحسن نصرالله وغيرهم من القيادات، حسب بيان الحرس الثوري الإيراني.
لكن من خلال التدقيق في القصف الصاروخي المسرحي الإيراني على المدن الإسرائيلية، تبين ان ال300 صاروخ باليستي وفرط صوتي، حسب البيان الإيراني، والذي نفته حكومة الائتلاف النازي الإسرائيلية، لم تقتل صهيونيا واحدا، الوحيد الذي استشهد هو مواطن فلسطيني من قطاع غزة في اريحا بالقرب من معسكر النويعمة لقوات الامن الوطني الفلسطينية نتاج سقوط صاروخ مباشر على الشهيد. في حين أن العملية الفدائية التي تمت اول أمس قبل وقت قصير من اطلاق الصواريخ في شارع يافا تل ابيب أودت بحياة 8 قتلى إسرائيليين، كانت أهم من صواريخهم، التي كانت محشوة بنسبة ضئيلة من المتفجرات، وبعضها دون متفجرات، وكانت استنساخ للمسرحية الإيرانية الأولى في 13 نيسان / ابريل الماضي وبشكل هزلي مفضوح.
ومعروف في العلم العسكري، ان أي دولة او قوة فدائية تعتمد في عملياتها العسكرية على مبادئ أساسية، أولا المفاجأة والمباغتة والسرية في استهداف العدو؛ ثانيا التقدير الدقيق للموقف؛ ثالثا اختيار اللحظة المناسبة لتنفيذ العملية؛ رابعا إعداد الجبهة الداخلية لمواجهة ردود الفعل من العدو. غير ان القيادة الإيرانية لم تعمل وفق المبادئ الأولية للعمل العسكري البسيط، وأبلغت الولايات المتحدة بعمليتها مسبقا، وبدورها قامت بإبلاغ إسرائيل قبل العملية بنحو 8 ساعات، كما انها أبلغت الإدارة ان صواريخها لا تحمل المتفجرات المفترضة لحجومها، أضف الى التزامها بالتفاهمات المتفق عليها مع الإدارة الأميركية، التي اشرت لها قبل شن الهجوم على إسرائيل، وأكدت لواشنطن، أنها مضطرة للرد الشكلي والمسرحي لحفظ ماء الوجه أمام الشعب الإيراني نفسه، والشعبين الفلسطيني واللبناني، اللذين فقدا الثقة بشعارات جمهورية الملالي الفارسية، حيث انتظرت نحو شهرين للرد.
وبقراءة علمية لواقع القيادة الإيرانية كانت بين نارين، الأولى مواصلة الصمت وحماية مكانة ومصالح النظام السياسي، والالتزام بما تم الاتفاق عليه مع الإدارة الأميركية، والثانية رد محسوب ومسرحي لحفظ مكانة النظام أمام حلفائها والشعبين الشقيقين، ودورها كمرجعية لمحور المقاومة، ولتبقى ممسكة بالقوى المحسوبة عليها في الوطن العربي، لتنفيذ مخططها القومي الفارسي في الوطن العربي. وبعد تدارس القيادات الإيرانية لسيناريوهاتها وخياراتها، ارتأت الشكل المسرحي والمقبول أميركيا واسرائيليا. لا سيما وأنها قدمت رأس رئيس حركة حماس، الذي اغتيل في العاصمة طهران، وكذا رأس امين عام حزب الله وأركان قيادته قربانا لمصالحها القومية. لأن المعطيات المتوفرة تقول، ان السيد حسن نصر الله تجاوز السقف الإيراني عندما طلب من مرجعيته في طهران الرد على جرائم الحرب الإسرائيلية الأميركية ضد قياداته كوادره في عموم الأرض اللبنانية، مما أثار استياء وغضب قادة الحرس الثوري وفيلق القدس، الامر الذي دفعها للتضحية برأسه وبكل فريقه القيادي، كونها تريد وجود قيادة جديدة للحزب وفق أجندتها الخاصة. لا سيما وان النظام الفارسي أسس ودعم حزب الله لخدمة أهدافه، لا العكس، وبالتالي صاحب القول الفصل بالرد من عدمه، هي القيادة الإيرانية، لا حزب الله.
نعم اصابت صواريخ إيران نحو 100 منزل، وبعض القواعد العسكرية الإسرائيلية الجوية، لكن لم تقتل إسرائيليا واحدا، ولم تحدث أية أضرار ذات تأثير فيها، كما أعلنت القيادة الإسرائيلية، وكل النفخ والتصريحات من حكومة نتنياهو، وما قابلها من تصريحات نارية إيرانية، كانت للاستهلاك والتضليل والتلميع للقيادة الفارسية، وليس لشيء آخر، وحتى لو ردت إسرائيل، سيكون ردا محسوبا وفي نطاق التفاهمات مع سادة البيت الأبيض. لأن لإيران دور مهم في الإقليم، وتجاه الوطن العربي تحديدا، لتبقى فزاعة في وجه الدول العربية عموما والخليجية خصوصا، وبما يخدم المصالح الحيوية الأميركية في الإقليم.
والنتيجة مما حدث اول أمس، انكشاف المستور الإيراني، وافتضاح أمره في أوساط النخب المتابعة لدور طهران في إعادة ترتيب الشرق الأوسط الجديد، ولم يعد يخفى على أحد، ان براغماتية النظام الفارسي في حماية مصالحه تتجاوز حسابات القوى والأحزاب والحركات العربية وغير العربية، إن وجدت في دول الإقليم الشرق اوسطي التابعة له، ويمكن لإيران التضحية بأي قيادة، مقابل مصالحها الاستراتيجية الداخلية والخارجية. فهل يدرك قادة محور المقاومة خصوصا والعرب عموما الدور الإيراني الخبيث والخطير على مصالحهم؟

زر الذهاب إلى الأعلى