إسرائيل التي تتضرع إلى السماء أن ينفذ السنوار تهديداته

وكالة وطن 24 الإخبارية : إذا كنت لا تعرف ما هو حجم المأساة الفلسطينية، فقد أتاح يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس فرصة لكي ترى كيف يمكن للحماقة أن تقدم الخدمات للاحتلال الإسرائيلي، بخدمة خطابه وصورته.

السنوار أرعد وأزبد، وهدد وتوعد، ولم ير أنه يقف في صف الاحتلال الإسرائيلي، لا ضده، عندما يتعمد الانحراف بالمقاومة المدنية التي استقطبت التعاطف من كل أرجاء العالم، لكي يحوّلها إلى أداة تخدم الخطاب الدعائي الإسرائيلي وهو في أشد حالات إفلاسه.

قال السنوار، بمنتهى الاستعداد للسير على خطى الاحتلال، ولخدمته، إنه “إذا أراد قادة الاحتلال أن يحوّلوها إلى حرب دينية، بتكرار اقتحام المسجد الأقصى، فنحن لها”، و.. “من يأخذ القرار بتكرار هذه الصورة فهو قد أخذ بنفسه قرارًا باستباحة الآلاف من الكُنس والمعابد اليهودية في العالم أجمع”.

أي صهيوني متطرف سوف يجد في ذلك فرصة، من بين أندر الفرص، لكي يُظهر لـ”العالم أجمع” أن اليهود ضحايا حرب دينية، وأنهم يُحرمون من حق العبادة في “جبل الهيكل”، وأن الفلسطينيين ليسوا وصمة عار على الضمير الإنساني عندما يتعرضون للتهديد في معابدهم، ليس في إسرائيل وحدها وإنما في كل العالم. بينما يجاهد الفلسطينيون في المسجد الأقصى أن يثبتوا العكس.

ولسوف تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي اقتحامات المسجد الأقصى وهي تأمل بأن ينفذ السنوار تهديداته، وألا يجبن فيتراجع عنها.

الخطاب الإسرائيلي لم يعد خطابا منتصرا، أو قادرا على أن يملي تصوّراته من دون منافس، وذلك بالرغم من كل ما ظل الحمقى
يقدمونه من خدمات مجانية له

أرعن مثل السنوار، يمكنه بالفعل أن يدفع بالكفاح الفلسطيني من أجل الحرية إلى الهاوية، عندما يعود لينبش صورة الإرهابي الذي يقتل “المدنيين الأبرياء”. ولكنه يضيف إلى الرعونة بُعدا آخر أشد حمقا، هو أن هذا الإرهابي الذي نقل حربه إلى الذين يؤدون طقوس العبادة، إنما يفعل ذلك لكي يكشف عن أن القضية الفلسطينية ليست سوى قضية أعمال همجية ضد أقدس المشاعر والاعتبارات الإنسانية.

يعرف السنوار كما يعرف الحمقى الآخرون في مكتبه السياسي، الذين يُشجّعونه على السخف، أنهم لا يملكون الأدوات لكي يكسبوا معركة الإعلام، لكي يُظهروا أن مواطنيهم ضحايا احتلال شرس ويدفعون من حياة أبنائهم جراء الأعمال العدوانية اليومية، حتى وهم لا يمارسون إلا احتجاجات سلمية.

فماذا اختاروا؟ اختاروا أن يغذّوا الخطاب الإسرائيلي عندما فشلوا بتقديم خطاب مضاد.

وإسرائيل لا تترك فرصة دون أن تنتهزها. فلسطيني واحد إذا أطلق النار، فإنه عادة ما يوفر مادة إضافية للصورة النمطية للإرهاب الفلسطيني. والإسرائيليون ليسوا في حاجة إلى المزيد من الذرائع، لكي يحاولوا إقناع الرأي العام العالمي بأنهم هم الضحايا، وأنهم يدافعون عن أنفسهم، في وجه الإرهاب الفلسطيني.

قد لا تبدو معركة كسب الرأي العام الدولي مهمة إلى تلك الدرجة لمن يملك القدرة على التهديد بإطلاق 1111 صاروخا دفعة واحدة ضد إسرائيل. والحقيقة، هي أن حماس وأمثالها يتصرفون انطلاقا من تسليم مسبق، بأنهم خسروا معركة الخطاب والصورة. وبالتالي فإن كل ما يضيف إلى الهزيمة هزيمة جديدة، لم يعد مهما. “خسرانة، خسرانة”، هذه هي القناعة السائدة.

الواقع ليس كذلك. الرأي العام الدولي يساند الفلسطينيين أكثر مما يساند الاحتلال الإسرائيلي. نعم هناك مؤسسات إعلام كبرى تسوّق الخطاب الإسرائيلي وتبرّر لقوات الاحتلال جرائمها. ولكن ماكينة الإعلام الرسمية شيء، وموقف الرأي العام الشعبي شيء آخر.
الفلسطينيون يكسبون هذه المعركة كل يوم، مع كل تيارات اليسار ويسار الوسط في كل أرجاء العالم. والشرعية الدولية التي تقف إلى جانبهم، حتى وإن بدت أداة مُعطَلة، فإنها ما تزال سندا مهما للرأي العام المناهض لسياسات الاحتلال وأعماله القمعية.

بطريقة أو بأخرى، لقد سئم مئات الملايين من البشر في أوروبا والولايات المتحدة من الخطاب اليميني الذي ظل يهيمن على بناء التصورات بشأن حق إسرائيل في الوجود، وحقها في أن تقتل وتقمع “دفاعا عن النفس”، في مواجهة “الإرهابي” الفلسطيني.

هذا السأم يقلق المؤسسات الصهيونية ولوبيات النفوذ، لأنه يبدد الذرائع الإسرائيلية، بينما صار بوسع وسائل الإعلام، وأحيانا بسبب حاجتها إلى التغيير، إلى أن تقدم الوجه الآخر للصورة.

اليسار قوة، إن لم يكن هو القوة الأكثر قدرة على توفير المزيد من الدعم للصورة والخطاب الفلسطينيين.

حماس ليست لديها استراتيجية تحرير وطنية مقنعة.. وإذا كانت لا تعرف الطريق إلى الانتصار على الاحتلال، بكسب الخطاب والصورة، فإنها تعرف الطريق إلى الهزيمة

صحيح أن الانتخابات الأميركية عكست الانقسام التقليدي في الولايات المتحدة، ولكن اليمين الذي يزداد تطرفا هناك، هو في الواقع انعكاس مباشر لهزيمته أمام الخطابات اليسارية الناشئة، والنزعة التحررية والمساواة بين السود والأقليات. وهذه قوة.

الانتخابات الفرنسية، في جولتها الأولى، قدمت اليسار بقيادة جون – لوك ميلينشون ثالثا، ولكن بفارق لا يتجاوز 1.5 نقطة عما حصلت عليه مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان. وما كان الرئيس إيمانويل ماكرون ليفوز بالرئاسة لولا دعم اليسار له.

اليسار الفرنسي سند هائل للقضية الفلسطينية، على الأقل لأنه لم يعد يشتري خطاب البكائيات الإسرائيلية باعتبار أن اليهود هم الضحية. إنه ينظر إلى الوجه الآخر للعُملة.

الائتلاف الحكومي في ألمانيا، حتى وإن ظل يحافظ، لأسباب مفهومة، على دعمه التقليدي لإسرائيل، إلا أنه لم يعد ينظر إلى الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وفقا لذات المسلمات التقليدية.

الكثير من هذه التغيرات تمتد إلى “العالم أجمع”، من المكسيك إلى البرازيل ومن تشيلي إلى نيكاراغوا، دع عنك الصين وروسيا والغالبية العظمى من دول أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.

الخطاب الإسرائيلي لم يعد خطابا منتصرا، أو قادرا على أن يملي تصوّراته من دون منافس، وذلك بالرغم من كل ما ظل الحمقى يقدمونه من خدمات مجانية له.

المقاومة المدنية والاحتجاجات السلمية والمواجهات التي يتصدى لها الإسرائيليون بكل ما امتلكوا من قدرة على العنف والقسوة، هي التي أبقت صورة الاحتلال الهمجية حية، حتى داخل إسرائيل نفسها، في مقابل صورة الفلسطيني التي تزيد القناعة بأنه هو الضحية.

هذه الصورة، نفوذ سياسي هائل، يريد السنوار أن يحطمها لكي يمارس عليها رعونته، بنقل المعركة إلى “المعابد اليهودية” في العالم أجمع، فيحلّ صورة المجرم والهمجي محلها.

لا تعرف من أين جاء هذا السنوار وأمثاله إلى معترك النضال الفلسطيني من أجل الحرية. ولكنه هو نفسه يعرف، أن حركته ليست لديها استراتيجية تحرير وطنية مقنعة، وأنها إذا كانت لا تعرف الطريق إلى الانتصار على الاحتلال، بكسب الخطاب والصورة، فإنها تعرف الطريق إلى الهزيمة.

ولكن أتراه لا يعرف حقا، أنه يخدم إسرائيل برعونته، وأنها تتضرع إلى السماء بأن ينفذ تهديداته؟

جرت العادة على أن تجند إسرائيل عملاء يخدمون أغراضها الأمنية والسياسية والدعائية. السنوار واحد من أفضلهم.

الكاتب : علي الصراف

 

قد يعجبك ايضا