في ذكرى الانقلاب والانقسام

وكالة وطن 24 الإخبارية : ها نحن نعبُر النصف الثاني من العقد الثاني للانقلاب الذي قامت به حركة حماس على الشرعية الفلسطينية، وكرّست في ضوء النتائج التي تمخّضت عنه الانقسام الذي عانينا ويلاته ولا نزال.

قبل عدّة شهور فقط، وبعد مرور كل هذه السنين التي مرّت على مأساة الانقلاب والانقسام كتبتُ من على صفحات «الأيام» أنّ الانقسام ليس فعلة فلسطينية «خالصة»، وأنّ إسرائيل لعبت دوراً محوريّاً في التمهيد له والتخطيط «لإنجاحه»، وأشرفت على مراحل تنفيذه، وراقبت نتائجه، وأنها ــ أي إسرائيل ــ صاحبة المصلحة الأولى في تكريسه، بل وتأييده إذا تسنّى لها ذلك.

وبالعودة إلى الوقائع الإسرائيلية يمكننا تسجيل ثلاثة معالم بارزة على هذا الصعيد:

المَعْلَم الأوّل، هو «التفسير» الذي أعطاه أرئيل شارون في جلسات عُقدت لهذا الشأن (شأن «الانسحاب» من قطاع غزة )، والذي أوضح فيها أنّ هذا «الانسحاب» سيؤدي من بين كلّ ما سيؤدي إليه إلى «حلّ» جزء مهم من المشكلة الديمغرافية، وذلك بفصل حوالى مليونين من الفلسطينيين عن السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية و القدس ، بل وحتى عن الفلسطينيين في «الشتات»، وذلك نظراً لعدم وجود سياسة مماثلة لسياسة الجسور المفتوحة مع مصر كما هو حال هذه السياسة مع الأردن.

ويُروى عن شارون أنه قد «استبشر» خيراً في هذا الانقلاب، لأنّه سيؤدي إلى انقسام سياسي يزلزل الكيانية الوطنية للشعب الفلسطيني، ويُحدِث شرخاً قاتلاً في الجسد الوطني.

هنا يمكننا مباشرة الانتقال إلى المَعْلَم الثاني، وهو المَعْلَم الذي عبّر عنه شمعون بيريس حينما قال في مقابلة صحافية منشورة بمناسبة مرور الذكرى السبعين على قيام إسرائيل، قال إن أهمّ ثلاثة أحداث مرّ بها ــ كسياسي مخضرم ــ كانت؛ قيام دولة إسرائيل، والانتصار الساحق في حرب حزيران 1967، والانقسام الفلسطيني بعد انقلاب «حماس».

أمّا المَعْلَم الثالث، فهو ماثل أمامنا بكل وضوح، حيث إنّ نتنياهو يرى في حُكم «حماس» الانفرادي، والانقسامي لقطاع غزة مصلحة إسرائيلية حيوية، مباشرة وإستراتيجية، وهو يعمل ــ أي نتنياهو ــ على تكريس هذا الواقع، وهو معنيّ بهذا الحكم وبقائه وتكريسه لأنه يُبعثر ويشتّت الوحدة السياسية، والكيانية، ووحدة التمثيل الوطني، ويبدّد مشروع قيام الدولة الفلسطينية، وذلك انطلاقاً من أنّ الهدف الصهيوني المباشر هو السيطرة على الضفة، وحسم «مسألة» القدس، وتحويل القضية الفلسطينية إلى احتياجات اقتصادية مجرّدة عن أيّ أبعادٍ سياسية ووطنية، وهو ما يتطلّب تصفية وحدة التمثيل الفلسطيني، والقضاء على أيّ محتوى وطني وسياسي للكيانية الفلسطينية.

تضافرت الجهود الإسرائيلية على هذا الصعيد مع «الأطماع» الإقليمية، وخصوصاً مساعي «جماعات الإخوان المسلمين»، والتي كانت تتوثّب للانقضاض على السلطة في كامل منطقة الإقليم، وكانت دول عربية وإقليمية على استعداد لدعم هذا «التوجّه» والذهاب فيه إلى أبعد الحدود.

في أغلب الظنّ أن «حماس» تدارست هذا الأمر مع «جماعات الإخوان» في كل من مصر والأردن، وقد تدارسته مع أوساط عليا في البلدان العربية والإقليمية التي كانت تدعم هذا التوجّه، أو أنها ــ أي «حماس» ــ تشاورت مع هذه الأطراف على أقلّ تقدير.

لم يكن لينجح هذا الانقلاب لولا أنّ رائحة «السلطة» كانت في صلب توجّهات «حماس»، ولولا أنّ نمط أداء السلطة عموماً، وهذا النمط من الأداء في القطاع تحديداً كان عاملاً محفّزاً على هذا الانقلاب، ومسهّلاً للإقدام على القيام به.

بهذا المعنى بالذات فإنّ الانقلاب لم يكن فعلة فلسطينية خالصة، وإنّما محصّلة لجملة من تقاطع المصالح بين المخطّطات الإسرائيلية، والأطماع الحزبية الخاصة بـ «جماعات الإخوان»، وطموحات بعض دول الإقليم.

بقلم : عبد المجيد سويلم

زر الذهاب إلى الأعلى