خطيئة خامئني ضد الفلسطينيين

بقلم – عمر حلمي الغول
ثورة الشعب العربي الفلسطيني المعاصرة تعلمت من تجارب الشعوب المناضلة، وفي الوقت نفسه أغنت تجارب الشعوب بإنجازاتها العديدة على مدار العقود الستة الماضية، باستلهامها خصائص واقعها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والبيئي والكفاحي ضد عدو مركب واستثنائي، فهي لم تحارب دولة إسرائيل اللقيطة فقط، وانما الغرب الامبريالي بقيادة الولايات المتحدة. فضلا عن أن العدو الإسرائيلي لا يشبه اشكال الاستعمار الأخرى، بل هو أكثر وأعمق تعقيدا من كل صنوف وأنواع العمليات الاستعمارية القديمة والجديدة. لأنه حمل معول النفي والتطهير العرقي لشعب بكامله من ارض وطنه الام ورفعت الحركة الصهيونية الرجعية شعارها الأساس لتحقيق أهدافها الكولونيالية “ارض بلا شعب، لشعب بلا أرض” معلنة منذ اللحظة الأولى لإعلان مشروعها العنصري والفاشي، الذي أصل له مؤتمر كامبل نبرمان، واتفاقية سايكس بيكو، ووعد بلفور، ومؤتمر سان ريمو وصك الانتداب البريطاني الأميركي، الذي اسبغ على المشروع الصهيوني الصفة الأممية لتحقيق مآربهم الخطيرة في قتل وطرد الشعب الفلسطيني من ارض وطنه الام فلسطين وصولا لتمرير قرار التقسيم الاممي 181 وإقامة دولة إسرائيل الخارجة على القانون على انقاض نكبة الشعب الفلسطيني، وتهجير غالبية ابناءه الى المنافي، والحؤول دون إقامة الدولة الفلسطينية، وفق ذات القرار الاممي المجحف بالنسبة للفلسطينيين.
ولم يستسلم الشعب والنخب والقوى السياسية الفلسطينية لخيار الغرب الامبريالي، ولا لوحشية ونازية الدولة الإسرائيلية النبت الشيطاني في ارض فلسطين التاريخية، انما واصل الكفاح، وأشعل فتيل الثورة المعاصرة مطلع 1965، المتواصلة حتى الان بأساليب واشكال كفاحية متطورة وفقا للشروط والعوامل الجيوسياسية وتحولاتها الدراماتيكية لحماية الشعب ومصالحه وحقوقه السياسية والقانونية على ارض وطنه الام، المتمثلة في استقلال وحرية دولة فلسطين وعاصمتها القدس وبلوغ حق تقرير المصير وضمان عودة اللاجئين لديارهم التي أخرجوا منها قسرا استنادا للقرار الاممي 194.
هذا الشعب العظيم سعت وتسعى قيادته المتمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد على مدار العقود الماضية لنسج أوسع العلاقات الإيجابية مع دول العالم كافة، لكسب تأييدها ودعمها لكفاحه التحرري، ولكنها رفضت، وترفض التدخل في شؤونه الداخلية، ونأت بنفسها عن التدخل في شؤون الدول الشقيقة والصديقة حرصا على العلاقات المتكافئة مع الدول والقوى والشعوب الصديقة.
بيد ان هناك دولا في المنطقة والعالم وخاصة من الغرب الرأسمالي لم تكف عن محاولة فرض إملاءاتها على الشعب والقيادة الفلسطينية بهدف تصفية القضية والمشروع الوطني التحرري. أضف الى أن جمهورية إيران الإسلامية منذ سيطر نظام الملالي في العام 1979 على الحكم، وبعد رفض الرئيس الرمز الراحل ياسر عرفات في أول لقاء له مع الامام الخميني سياسة الهيمنة وحرف بوصلة النضال الوطني، ومعاداة الاشقاء العرب، بتعبير آخر، رفض ان يكون تابعا واداة للنظام الفارسي.
غير ان قادة نظام المجوس لم يتوقفوا عن التدخل في الشؤون الفلسطينية، لأنهم أرادوا شماعة أو ذريعة للنفاذ منها الى القضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية، ليعلقوا عليها اطماعهم، فلم يجدوا عنوانا أفضل من ركوب موجة وشعار “المقاومة” و”تحرير القدس” وشكلوا ما يسمى بفيلق القدس، الذي لا علاقة له بالقدس، انما هو أداة بطش ضد الفلسطينيين والعرب عموما، وقاموا رغم الاختلافات الجذرية مع الاخوان المسلمين بنسج علاقات مع حركة حماس، وتقديم الدعم المالي والعسكري لها والتشارك معها في التحريض على منظمة التحرير وسلطتها الوطنية، وقبلها ساهمت في تبني واسناد حركة الجهاد الإسلامي. ولم تكف حتى اللحظة الراهنة عن العبث بالمشروع الوطني.
ورغم حرب الإبادة الجماعية الصهيو أميركية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في ارجاء فلسطين، وخاصة في قطاع غزة للشهر 8 على التوالي، التي ذهب ضحيتها ما يزيد عن 130 ألف شهيد وجريح، وتدمير مئات الالاف من الوحدات السكنية والمدارس والجامعات والمعابد، وإخراج غالبية المستشفيات عن الخدمة، يطالب المرشد الإيراني علي خامئني من الشعب الفلسطيني “الا يعقدوا آمالهم على اتفاق وقف اطلاق النار في غزة.” أي انه يريد ان يضحي بالشعب الفلسطيني، ويدفعه نحو الانتحار، وهو الذي دفع اثمانا هائلة من الضحايا والجرحى والمعتقلين والتدمير المنهجي الصهيو أميركي لأبسط معالم الحياة الادمية في قطاع غزة لحساب اجندته الخاصة ضد العرب، ولفرض هيمنته في الشرق الأوسط كمنافس للمشاريع الإقليمية الأخرى.
خطيئة خامئني ضد الشعب الفلسطيني لا تغتفر، لأنها كبيرة وخطيرة، ولا تخدم مصالح واهداف الشعب والقيادة الفلسطينية من قريب او بعيد، كونه يريد مواصلة حرب الإبادة الإسرائيلية الأميركية ضده لتمرير مشاريعه الشوفينية، وليخوض الفلسطينيين حربه بالوكالة أسوة ببعض القوى العربية التابعة لأجندته. يا حبذا لو أن زعيم الملالي الإيراني يترك الشعب الفلسطيني يقلع شوكه بيديه، وينهي حرب الإبادة الاجرامية وفق معاييره وأهدافه الوطنية.
قيادة منظمة التحرير تعرف الغث من السمين، وتعلم جيدا من هي إسرائيل ومخططاتها التوسعية، ومخططات سادتها في واشنطن، ومصلحة شعبها الان وقف الحرب فورا وبشكل دائم وإدخال المساعدات الإنسانية كافة للجوعى والمرضى والجرحى ووقف تهجير أبناء الشعب القسري للمنافي استمرارا للنكبة الكبرى عام 1948. وإذا كان معنيا بمصالح الشعب الفلسطيني ويريد قطع الطريق على هيمنة إسرائيل، فليرفع يده عن القضة الفلسطينية، ويقدم الدعم لمنظمة التحرير وحماية الشعب من الفناء والتهجير والتطهير العرقي، وينصح ادواته الفلسطينية بالانضواء تحت راية منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب، وتعزيز الوحدة الوطنية. فهل يدرك مرشد الملالي المطلوب فلسطينيا؟

زر الذهاب إلى الأعلى