هل حماس فلسطينية أم إخوانية ؟

وكالة وطن 24 الاخبارية : تعتبر علاقة حركة حماس بجماعة الإخوان المسلمين علاقة عضوية وثيقة، ولا تخفى على أحد؛ فقد جاء في ميثاق حركة حماس (الباب الأول البند الثاني): “حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين“.
و قال “أحمد ياسين” في حوار مع الجزيرة: “الذين أنشأوا حماس هم أنفسهم الإخوان المسلمون، فنحن حركة إخوانية، حركة مجاهدة هدفها التحرير“
ومن المعلوم أن جميع قادة حماس ومؤسّسوها كانوا أصلاً من جماعة الإخوان، وكان أكثرهم في غزة بشكل خاص كامتداد طبيعي مع الجماعة الأم في مصر، وفي مرحلة لاحقة صاروا يعملون تحت مظلة “المجمع الإسلامي“، وكانت الجماعة – قبل تأسيس حماس – تركز على الجانب الدعوي والإرشادي والتربوي، وتتحفّظ على ممارسة الكفاح المسلح ضد إسرائيل، معطيةً الأولوية عليه على النشاط الاجتماعي الإصلاحي، وكانت أيضا على خصومة واضحة مع كافة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وعندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية في نهاية العام 1987، وجدت الجماعة نفسها أمام خيارين: إما الإنخراط فيها، أو الانتظار، لكنها تبنت الخيار الأول، فأعلنت عن تأسيس حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وبعد ذلك بسنوات أعلنت عن تأسيس ذراعها العسكري “كتائب القسام”.
ولكن، إلى أي مدى تغير خطابها ونهجها وبرنامجها ؟ وهل كان تغيرا إستراتيجيا أم تكتيكيا ؟
وللإجابة على هذه الأسئلة يتوجب علينا أولا أن نفهم جماعة الإخوان، ونعرف ما هو برنامجها الإستراتيجي، وهل ما زالت تؤثر على حماس وتتحكم في توجهاتها ؟
عناصر وركائز مشروع الإسلام السياسي
حركات الإسلام السياسي عموما لا تؤمن بالقومية العربية، وتصفها بالمقيتة والنتنة، ولا تؤمن بالنـزعة الوطنية، وبعضها يعتبرها غريزة حيوانية؛ وبالتالي فهي لا تعترف بالهويات الوطنية السياسية، وأكثر هذه الحركات تحارب العلمانية بوصفها لها شكلا من الكفر والتعدي على الدين، وتعتبر الديمقراطية بضاعة غربية، وتُقلِّص العالم إلى ثنائيات قاطعة: بين ما هو حق وباطل، وبين من هو مؤمن وكافر، ولا تنظر للمسيحيين وللطوائف الأخرى كمواطنين، بل كذميين يتوجب عليهم دفع الجزية.
وبهذا المعنى فإن مشروع الإسلام السياسي هو مشروع أممي يتخطى حدود الجغرافيا والقارات، ويتجاوز الهويات الوطنية أو القومية، وتقوم فكر هذا المشروع على مبدأ الولاء والبراء ومعاداة كل ما لا يشبهها، والتصادم مع كل من يختلف معها.
تقوم فكر مشروع الاسلام السياسي على مبدأ الولاء والبراء ومعاداة كل ما لا يشبهها، والتصادم مع كل من يختلف معها
مشروع الاسلام السياسي يقف في مواجهة مشروع آخر، تمثله القوى الوطنية والقومية واليسارية، وهو المشروع الوحدوي/ التحرري الذي بدأ أواخر القرن التاسع عشر على يد رواد النهضة العربية، وتواصل على امتداد الأرض العربية، وخاض خلال أكثر من قرن المعارك والثورات في مواجهة الاستعمار وأدواته، وتعمّدَ بدماء الشهداء وتضحيات الجماهير الشعبية، ويحْمِلُ في طياته قيم الحداثة والتنوير، ويسعى لترسيخ أسس الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة بمحتواها التقدمي والتحرري القائم على التعددية، الذي يضمن حقوق الإنسان واحترام إنسانيته، ويناضل لإرساء دعائم مجتمع حضاري تتعايش فيه الطوائف دون تعصب ودون كراهية، وتتعايش فيه الطبقات دون استغلال لبعضها البعض، وتتحقق فيه العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة وتقاسمها وتداول السلطة السلمي، ويسعى هذا المشروع لبناء المستقبل بعقلية منفتحة على العالم، ومنسجمة مع الحضارة الإنسانية، ومتصالحة مع إرثها الثقافي والفكري.
في الأربعينيات تحالفت جماعة الاخوان مع الملك والإنجليز ضد حزب الوفد وباقي القوى الوطنية في مصر
لكن خصوم “الإخوان المسلمين” لا يكتفون بانتقاد المضامين الأيديولوجية التي يحملها برنامجهم؛ بل يشككون في تحالفاتهم، وفي مواقفهم السياسية، ويعتبرون أن لهم دورا وظيفيا محددا، يتجسد في محاربة القوى الوطنية والتقدمية، والتحالف مع الأنظمة الرجعية، ولإثبات ذلك يوردون بعض الأمثلة: فعندما انطلقت الجماعة في أواخر العشرينات من مدينة الإسماعيلية – التي كانت مركزا للقوات الإنجليزية – كان من المفترض أن تركز الجماعة على مقاومة الاحتلال الإنجليزي، وأن يكون ذلك مبرر وجودها، ولكنها بدلا من ذلك ركزت على الجوانب التربوية وبعض النشاطات الاجتماعية، الأمر الذي جعل من الإنجليز يغضّون النظر عن تنامي قوتها، وفى الثلاثينيات تحالف الإخوان مع الإنجليز ضد الملك وحزب الوفد، وفي الأربعينيات تحالفوا مع الملك والإنجليز ضد الوفد وباقي القوى الوطنية، وفي الخمسينيات تحالفوا مع الأمريكان والإنجليز ضد عبد الناصر، وفي الستينيات، تحالفوا مع الأمريكان ضد عبد الناصر، وبعد تنصيب الحكومة (الأمريكية) في العراق بعد الإطاحة بصدام ارتضوا أن يكونوا جزءً منها، وفي العقد الأخير تحالفوا مع قَطَر، وبعد ثورة يناير 2011، عقدوا صفقة ثلاثية تجمعهم مع المجلس العسكري والأمريكان لحكم مصر، مقابل عدم إلغاء كامب ديفيد.
في فلسطين، جماعة الإخوان التنظيم السياسي الوحيد الذي حصل على ترخيص من وزارة الداخلية الإسرائيلية تحت اسم “المجمع الإسلامي” عام 1973
في فلسطين، كانت جماعة الإخوان التنظيم السياسي الوحيد الذي يعمل علانية ودون مضايقات من سلطات الاحتلال، بل أنه حصل على ترخيص رسمي للعمل من وزارة الداخلية الإسرائيلية تحت اسم “المجمع الإسلامي” عام 1973، وكانت إسرائيل تغض الطرف عنهم لأنهم كانوا يرفضون الكفاح المسلح، وجلّ نشاطهم في المجال الاجتماعي والدعوي، وكانوا في حالة صِدام مع القوى الفلسطينية، الأمر الذي استفادت منه إسرائيل في زعزعة مكانة منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها ممثلا للشعب الفلسطيني، وعنوانا للهوية الوطنية الفلسطينية.
مبررات وجود المشروع الوطني
كتب د “إبراهيم أبراش” على موقعه الإلكتروني: “لا يوجد شعب يستطيع أن يمارس فيه أبناؤه حياتهم الطبيعية، ويحققوا ذواتهم، دون أن يكون لهم وطن، يطورا فيه ثقافتهم وهويتهم الوطنية، ولا وطن بدون فكر وأيديولوجيا وطنية تعزز انتماء أبناء الشعب لوطنهم، ولا فكر وطني بدون مشروع وطني يحدد أهداف وطموحات الشعب وآليات تحقيق هذه الأهداف، ولا مشروع وطني بدون ثوابت ومرجعيات تعبر عن القواسم المشتركة والحقوق الوطنية محل التوافق الوطني بغض النظر عن الدين أو اللون أو الطبقة، وتحشد من خلفها الشعب في مواجهة النزعات والارتباطات ما قبل الوطنية، وفي مواجهة التحديات الخارجية. …. وعندما تغيب الدولة – كما هو الحال في فلسطين – ويصبح الوطن كهوية وثقافة مهددا (وجوديا) بسبب الاحتلال؛ يصبح المشروع الوطني ضرورة (وجودية)، وينتفي مبرر وجود إيديولوجيات عابرة للوطنيات، أو ما قبل الوطنية، إلا كتوظيف وسائلي لخدمة المشروع الوطني، بمعنى أنه في حالة وجود أحزاب وحركات في إطار حركة التحرر فعلى هذه القوى توطين إيديولوجياتها واستراتيجياتها ضمن ثوابت وطنية لا يجوز الاختلاف عليها، فتوظف امتداداتها القومية أو الأممية أو الدينية لصالح المشروع الوطني وليس العكس، وإلا سيصبح الاشتغال على هذه الإيديولوجيات على حساب العمل الوطني ومتطلبات تحقيق الوطن كهوية ودولة”.
فتح – المشروع الوطني الواحد
ومن هذا المنطلق اعتبرت حركة “فتح” أن المرحلة التي يمر بها الشعب الفلسطيني مرحلة تحرر وطني، وذلك على ضوء فهم الحركة للخصوصية الوطنية للقضية، وعلى فهمها للبعد المحلي للدور الوظيفي للكيان الإسرائيلي، وعلى فهمها للصراع وركائزه الحضارية الحقيقية، وبالتالي رأت أن أداة الحل يجب أن تكون وطنية، من خلال حركة تحرر وطني بمحتوى وطني وأداة وطنية وأسلوب وطني، وتلتقي من خلاله كافة القوى والشرائح الفلسطينية على برنامج واحد وهدف واحد هو التحرير والعودة؛ وعندما كان المشروع الوطني واحدا موحدا في إطار منظمة التحرير، حققت الثورة أهم إنجازاتها؛ حيث حولت الفلسطينيين من جموع لاجئين إلى شعب يناضل لنيل حريته واستقلاله، وأحيت القضية وطرحتها بقوة في كافة المحافل الدولية، وانتزعت اعتراف العالم بالمنظمة ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني.
كما اعتبرت فتح أن البُعد الوطني للقضية ليس استمرارا لثقافة التجزئة الُقطرية – التي رفضتها – بل هو تأكيد على أهمية إبراز الهوية السياسية للشعب الفلسطيني بمحتواها النضالي في الحقل الدولي كنقيض مركزي لإسرائيل من الناحية التاريخية والقانونية والسياسية، وأن هذا لا يتعارض ولا يتناقض مع الارتباط المصيري مع الأمة العربية والإسلامية.
إذا كانت “فتح” وفصائل منظمة التحرير هي امتداد للمشروع الوطني القومي، فإن “حماس” تُعتبر امتدادا لمشروع الإسلام السياسي الذي تقوده جماعة الإخوان المسلمين؛ وبالتالي فإن الخلاف بين فتح وحماس هو خلاف بين مشروعين مختلفين: المشروع الوطني الذي يهدف إلى تثبيت الهوية الوطنية، والساعي لبناء دولة فلسطينية ومجتمع مدني، ومشروع الإسلام السياسي ذو الطبيعة الدينية، والساعي لبناء دولة إسـلامية وفرض القضايا الأممية الكبرى (المشروع الإسلاموي العالمي) على حساب المشروع الوطني.
حماس وتبعيتها للإخوان
في الرابع عشر من كانون الأول 2016 ، أحيت حماس الذكرى الحادية والعشرون لانطلاقتها، وفي هذا الحفل جرى الطلب من أقدم أعضاء الإخوان المسلمين في قطاع غزة “عبد الفتاح دخان” إلقاء كلمة الحركة، وأمام الحشود الذي تَصدَّرهم رموز الصف الأول من قادة حماس، نهض “دخان” وأعلن بصوت جهوري يردد وردد وراءه الحاضرون قَسَم الولاء لجماعة الإخوان المسلمين، قائلا:”أعاهد الله أن أخلص لدعوة الإخوان المسلمين، والقيام بشرائط عضويتها والثقة التامة بقيادتها والسمع والطاعة“.
وفي نفس المهرجان قال “إسماعيل هنية”: “إن الجهاد في سبيل الله مقدم على الحج، وبما أنه لم يُكتب لكم يوم عرفة هذه السنة، فكان أن كتب الله لكم أن تشهدوا يوم «حماس» الأكبر على أرض فلسطين، ولكم ما لكم من الأجر”. وسنترك الحكم على استبدال فريضة الحج بحضور مهرجان تأييد لحماس لرجال الدين، وسنركز على تحليل معنى ذلك سياسيا.
وهذا معناه أن حماس كشفت عن وجهها الحقيقي، وعن أن قائدها الفعلي هو المرشد العام للجماعة، الذي تدين له بالسمع والطاعة ويحظى بثقتها التامة. ويعني أن حماس تعلن بوضوح أن قضيتها الأساسية في قضية الإخوان ومشروعها هو مشروع الإخوان.
وعندما لجأت حماس الى تنفيذ الانقلاب ، والذي نجم عنه الانفصال، ورغم أنه شكل ضربة قوية للمشروع الوطني، إلا أن جماعة الإخوان اعتبرته نصرا إستراتيجيا؛ فعملت على تثبيته كقاعدة ومنطلق لتأسيس المشروع الإسلامي الذي طالما حلمت به منذ تأسيسها، فبعد أن فشلت في إنجازه في أية دولة عربية، وجدت ضالتها في قطاع غزة، لتجعل منه حقل تجارب، ومنطلقا لتنفيذ مشروعها.
حماس أنها أرادت استنساخ تجارب الإسلام السياسي في البلدان الأخرى، دون أن تراعي خصوصية الحالة الفلسطينية
الخطأ الذي وقعت فيه حماس أنها أرادت استنساخ تجارب الإسلام السياسي في البلدان الأخرى، دون أن تراعي خصوصية الحالة الفلسطينية. بحيث تعيد ترتيب الأولويات تحت إحساسها بالخطر المباشر المُحدق بفلسطين، ولم تعمل على توطين أيديولوجيتها وإخضاعها للواقع الفلسطيني كما فعل القوميون والماركسيون الفلسطينيين من قبلهم، وأنها أرادت الاستفراد بقيادة المشروع الفلسطيني والهيمنة على القرار الوطني دون شراكة مع أحد، وأنها ظلت تعمل خارج منظمة التحرير.
صدى الصمت : الكاتب م. عبد الغني سلامه