يوميات الخيمة (11)

كتب – د.تيسير عبد الله
قدمت حماس في الساعات الماضية ردها على الصفقة. يقول الاحتلال أنه إيجابي. وأنه الرد الأفضل الذي تقدمه الحركة مقارنة مع كل المرات السابقة.
ليس من المؤمل أن يكون ردها بداية صفقة ناجحة. احتمالات الفشل أكثر بكثير من احتمالات النجاح كما حدث في المرات الماضية مع غطرسة الاحتلال. واستخدامه خمااس ومفاوضاتها أداة لتنفيذ مخططاته. وللتغطية على تدمير غزة. وقتل سكانها وتهجيرهم.
لكن المدهش في ردها. توقيته. فهو يأتي بعد أن دمر الاحتلال رفح. آخر المحافظات التي تهددها كثيرا بعد تدميره خان يونس وغزة ومحافظات الشمال. ويأتي بعد أن أعلن الاحتلال صراحة أنه اقترب من انتهاء عملياته العسكرية الواسعة في قطاع غزة. وانتقاله إلى مرحلة ثالثة يعتمد فيها القتل والقصف على معلومات استخبارية مركزة.
رد حماس متأخر جدا. وقد لا يعني كثيرا للمواطنين الذين وصل بهم الحال إلى قاع الفاجعة. فقدوا بيوتهم وأحباءهم وأملهم في الغد والمستقبل. وأصبحت أكبر أحلامهم خيمة آمنة ينصبونها على بيتهم المدمر. أو هروب أمن من غزة للنجاة بما تبقى من أرواحهم وذويهم. بعد أن تحولت غزة إلى خرابة موحشة.
رد حماس متأخر جدا. وقد لا يعني كثيرا للمواطنين الذين وصل بهم الحال إلى قاع الفاجعة
المؤلم في توقيت رد حماس الذي يتضمن عادة تنازلات متدرجة عما سبقها امتدحها الاحتلال وأثنى عليها. وقال أنها يمكن أن تمثل اختراقا وأساسا لصفقة ناجحة.. مع أنه يرفضها عادة في النهاية. ويطلب المزيد من الذل والتنازل. أن هذا الرد لا يرتبط بأي حدث مفصلي ومهم يتعلق بحياة المواطنين على الأرض في غزة. بعد أن لم يخف بعض قادة حماس في تصريحاتهم السابقة المتكررة عدم مبالاتهم بعمليات التدمير في رفح. بل استعجالهم الاحتلال ليقوم بتنفيذها حتى لا تشكل عليهم ورقة ضغط في المفاوضات.
الوقت لا يعني لحماس شيئا بعد تسعة شهور من الإبادة. وتنفيذ تهديدات الاحتلال بالهجوم على المحافظات وتدميرها وسفك دماء الأبرياء. وهي تقول علانية ودون خجل أن كل هذا لن يشكل عليها ورقة ضغط، وتعتبر حفظ دماء الأبرياء من مجازر الاحتلال. ضغطا هي أعند وأوعى من الانكسار أمامه. مع أن عظماء زعماء العالم. خلدهم التاريخ لأنهم انحنوا أمام دماء شعوبهم ليحفظوها من الإراقة المجانية.
والحقيقة أن حماس وصلت في هذه الأيام بعد كل الشهور السابقة من الحرب إلى (المرحلة الملوكية) التي لا تهزها فيها دماء أبرياء في غزة. ولا تدمير بيوت ولا شوارع ولا مؤسسات ولا نزوح. ولا تهديدات احتلال بتدمير المزيد من المحافظات. ولا يعني لها مرور الوقت شيئا. وتعتبر أنها تمتلك ثلاث أوراق قوة. ستضمن بها الظفر باليوم التالي للحرب. وستعود بها لتحكم غزة. وهذه الأوراق هي:
1. التفاوض على من تبقى من الرهائن والمختطفين في غزة.
2. قدرتها العسكرية التي احتفظت بها لحسم أي معركة مستقبلية يكون فيها تنافس على حكم غزة.
3. رصيدها التاريخي والمعرفي طوال 17 سنة في المحافظة على التفاهمات مع نتنياهو والوفاء بها رغم ما حدث من (خطأ) يوم 7 أكتوبر.
هذه أوراق ليست ملحة في ضغطها على الاحتلال. وهو قادر على المماطلة بها لعدة شهور أخرى قادمة. كما ماطل فيها سابقا. وهو قادر في الوقت نفسه الضغط على الجرح الأكثر إيلاما لحماس لإجبارها على تقديم المزيد من التنازلات في كل مرة. هذا الجرح هو المس والأذى المباشر لما تعتبره سلطتها واستعادة حكمها المحتمل لغزة. والذي يفقدها عقلها أكثر من أي شيء آخر حين يضغط الاحتلال عليه. كالسيطرة على معبر رفح. ومحور فيلادليفيا. وتقسيم القطاع في نيتساريم. وهو الاستفزاز الذي يدفع حماس في الوقت الراهن للتقدم نحو الصفقة والمبادرة لتقديم ردها للوسطاء.
أخطأت حماس خطأ تاريخيا واستراتيجيا حينما لم تجعل الشعب مصدر أهدافها. وموضوع مفاوضاتها الأهم
أخطأت حماس خطأ تاريخيا واستراتيجيا حينما لم تجعل الشعب مصدر أهدافها. وموضوع مفاوضاتها الأهم. ولم تعمل على حمايته. وأخرجته من جميع حساباتها السياسية والعسكرية. بل أنها في اختطافها للمستوطنين يوم 7 أكتوبر. سلمت أكثر من مليوني غزي دون أي تحضير أو استعداد أو حماية للانتقام الإسرائيلي المباشر والوحشي. لإبادتهم وتدمير بيوتهم. ثم استغلت ما تبقى من جيوب هؤلاء الغزيين برفع الأسعار. والضرائب الباهظة على معبر رفح. ثم استخدمته في أكثر من مرة لحمايتها ما تسبب بسحق الكثير من الأبرياء. ثم تبرأت منه وأعلنت صراحة أن اللاجئين في غزة ليسوا مسؤوليتها.
نحن نعيش حالة غريبة من المقاومة التي تستمد قوتها من الإعلام القطري والتمويل الإيراني وتشجيع وتطبيل المغيبين والمضللين في الوطن العربي من الأردن وتركيا والجزائر والضفة الغربية والعرب في أوروبا. مع جوقة معروفة الأسماء والوجوه الكالحة من التحليل السياسي الممول والمضلل والكاذب. بينما الشعب الحقيقي يباد ويقتل ويدمر ويشرد ويجوع ويعطش في أفران الخيام الحارقة والنزوح. ويعتبره الجميع أنه خارج كل حساباتهم. وأرقاما صفرية لا قيمة له. بل إذا توجع أحدهم وصرخ من ألمه. اتهموه بالخيانة. حتى الصراخ يسكثرونه علينا. يريدوننا شياه تذبح بصمت حتى لا نفسد خيالهم الثوري والمقاوم.