وثائق أمريكية تكشف أسرار العلاقة بين المخابرات الامريكية وجماعة الإخوان

وكالة وطن 24 الاخبارية : الذين طمست في عقولهم وأفكارهم معاني الارتباط بالوطن والانتماء الغريزي له، وهو ما فعله الإخوان في مصر، بما لديهم من شعور متأصل، وعقيدة راسخة تربوا عليها.
والوطن في عقيدتهم المتوهمة، يعبر عنه ويمثله تنظيم دولي متنوع الجنسيات يجمعهم في إطار فكرة مقطوعة الصلة بالزمن والعصر المتغير أسموها “دولة الخلافة”، وفى دروب هذا المسعى، كانت مسيرتهم منذ بدايات التنظيم لإيجاد سند وداعم، وكانت أمريكا بالنسبة لهم هي الملاذ، وبدأت حبال الوصل تمتد من أول الخمسينيات من القرن العشرين.
في أمريكا -الوثائق كاشفة ومتاحة بوفرة ودون قيود
في أمريكا المعلومات تأتي وكأنها تلقى من النافذة. وهي متاحة لمن يسعى للحصول عليها، وأقربها مراكز متخصصة تعد بالمئات في مقدمتها، المكتبات التي تحمل أسماء رؤساء أمريكا، والذين يحرص كل منهم في نهاية حكمه على أن يؤسسها ويودع بها الوثائق الرسمية لفترة رئاسته، والتي تؤدى أيضا دورا ثقافيا واجتماعيا يذكر الأمريكيين به.
معظم المكتبات والمراكز مثل : مكتبة جونسون، أو “مركز نيكسون للسلام”، أو مكتبة كنيدي او مركز جيمس بيكر للسياسات العامة في هيوستن بولاية تكساس، أو مركز برنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي للرئيس جورج بوش الأب. أو مكتبة أيزنهاور .
كان من بينها ما يشرح بالتفصيل بداية العلاقة بين أمريكا والإخوان المسلمين ، والتي كانت وكالة المخابرات المركزية طرفا رئيسيا فيها.
اقرأ/ي ايضا / شبكة الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة
في مكتبة أيزنهاور في بلدة أبيلين بولاية كنساس يستوقف النظر ما احتوته من وثائق كان من بينها ما جاء في وثيقة THE APPOINTMERNT BOOK والمكونة من 1400 صفحة مقسمة إلى أجزاء حسب السنوات وفيها شرح تفصيلي لبداية العلاقة بين أمريكا والإخوان المسلمين ، وكيف أسس الإخوان ترتيبات عمل منظمة مع أجهزة المخابرات الأمريكية بدأت مع دعوة سعيد رمضان زوج ابنة المرشد حسن البنا، لحضور مؤتمر في أمريكا عام 1953. ومن يومها أخذت هذه العلاقة تتطور وتتسع.
عدد من الكتاب الأمريكيين اهتموا بالبحث في خفايا هذه العلاقة ليس فقط بالرجوع إلى وثائق أيزنهاور بل أيضا بالاطلاع على وثائق أخرى موجودة في أمريكا وأوروبا، وعمل لقاءات مع شخصيات كانت طرفا مباشرا في هذه العلاقة أو قريبة منها.
كان منهم أيان جونسون وهو من أبرز المراسلين لكبريات الصحف الأمريكية والذي أجرى ثلاثين مقابلة مع شخصيات على علم بهذا الموضوع.
ومنهم أيضا روبرت دريفوس الذي اهتم بتقصي الحقائق التي تتضمنها الوثائق السرية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة والتي أوردها في كتابه “كيف ساعدت أمريكا على إطلاق العنان للمتشددين الإسلاميين؟”
يسجل روبرت دريفوس في أوراقه التي جمعها في كتابه بداية العلاقة ويقول: قبيل اغتيال المرشد حسن البنا تم إيفاد سعيد رمضان إلى عدة دول عربية بهدف إنشاء فروع لتنظيم الإخوان في الأردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية وغزة.
وينقل دريفوس ما جاء في مقال كتبه المؤرخ اليهودي المتخصص في الشئون الإسلامية برنارد لويس عام 1953 ودعا فيه لوضع استراتيجية لتشجيع الحركات الإسلامية في الدول العربية ودعمها، لتكون سلاحا ضد النفوذ السوفييتي في الشرق الأوسط. وقد تبنى مشروع لويس، جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكي وشقيقه ألان دالاس مدير وكالة المخابرات المركزية. وفى العام نفسه (1953) رتب دالاس بالاتفاق مع الرئيس أيزنهاور مؤتمرا عقد بجامعة برينستون والذي حضره أعضاء من تنظيم الإخوان المسلمين من دول عربية.
في عام 1953 وقبل قرار عبد الناصر حل جماعة الإخوان المسلمين، بدأت الولايات المتحدة برنامجا سريا تولت تنظيمه الوكالة الأمريكية للإعلام، ودعت لحضوره ثلاثين من الدارسين والقيادات المدنية معظمهم من دول إسلامية للاشتراك فيما تم تعريفه رسميا بمؤتمر أكاديمي بجامعة برينستون. لكن السبب الحقيقي وراء هذا المؤتمر كان القيام بجهود لنيل إعجاب هؤلاء المشاركين، بالقوة المعنوية والروحية للولايات المتحدة، اعتقادا من الأمريكيين بأن هؤلاء يستطيعون التأثير على الرأي العام في بلادهم بطريقة أفضل مما يستطيعه حكامهم.
أحد الحاضرين في المؤتمر وفقا لما جاء في وثيقةEISENHOWER’S APPOINTMENT BOOK هو سعيد رمضان موفد الإخوان للمؤتمر وكان يوصف بوزير خارجية الجماعة. وكان هذا المؤتمر بداية علاقة تطورت بشكل كبير بين رمضان ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
وكان روبرت دريفوس قد نشر في عام 2005 تحقيقا استقصائيا عن الجوانب السرية في السياسة الخارجية الأمريكية بشكل عام. وبنى تحقيقه على بحثه في أرشيفات السياسة الأمريكية، ولقاءات مع سياسيين، وأفراد من أجهزة الخدمات السرية، ومسئولين بوزارتي الخارجية والدفاع. واستطاع من خلال هذا التحقيق الكشف عن كثير من خفايا تاريخ الشرق الأوسط منذ بداية الاحتلال البريطاني للمنطقة، وحتى وقت حرب العراق عام 2003. وضمن ما ورد في هذا التحقيق الاستقصائي الموثق البدايات الأولى لعلاقة الإخوان بالإنجليز، حين قدمت شركة قناة السويس للمرشد حسن البنا تمويلا مقداره 500 جنيه، لإنشاء جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
تتفق الوثائق التي استند إليها كل من دريفوس وأيان جونسون الى أن المسئولين في حكومة أيزنهاور كانوا يعرفون ما الذي كان يفعلونه. ففي سنوات الصراع ضد الشيوعية اقتنعوا بأن المنظمات الدينية تعتبر قوة يمكن للولايات المتحدة أن تستخدمها في مواجهة الاتحاد السوفييتي باعتبار أنه لا يؤمن بالأديان بينما أمريكا دولة تؤيد الحريات الدينية.
وقد كشفت الوثائق السرية لوكالة المخابرات المركزية التي أفرج عنها وصف محللي الوكالة لسعيد رمضان بأنه شخص جامد الحس وفاشي النزعة وأن كل اهتمام جماعته مركز على التمكين من السلطة. لكن البيت الأبيض تجاهل هذا الرأي وقرر دعوة رمضان للقدوم للولايات المتحدة.
وبحلول نهاية الخمسينيات كانت وكالة المخابرات المركزية قد ألقت بكل دعمها وراء رمضان وطبقا لما جاء بالوثائق فقد كان من اليسير أن يطلق عليه في الولايات المتحدة في الخمسينيات والستينيات “عميل أمريكي”. وقد أيدته الولايات المتحدة في تنفيذ عملية السيطرة على مسجد في مدينة ميونخ في ألمانيا، وإقصاء المسلمين المحليين من إدارة المسجد وهم الذين قاموا ببنائه عام 1958 والذي تحول بعد ذلك إلى واحد من أهم المراكز التي يسيطر عليها الإخوان المسلمون في أوروبا، ومأوى لتجمع مجموعات منهم هاجرت من بلادها.
وابتداءً من الثمانينيات اختار تنظيم الإخوان المرشد السابق مهدى عاكف ليتولى إدارة مركز مسجد ميونخ الذي أسهم في صعود غير مسبوق لتنظيمات الجماعات الإسلامية في أوروبا. وكان محمود أبو حليمة الذي تولى التخطيط لتفجير مبنى مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 1993 من الذين كانوا يترددون على مسجد ميونخ. وفى هذا المسجد الذي صار مركزا لنشاطات سياسية، تم إنتاج عقول مهيأة لممارسة الإرهاب.
استمرت العلاقة دائرة في عالمها السري والذي شهد تعاونا في حرب أفغانستان ضد السوفييت، ثم في القتال الذي دار بعدها بسنوات في التسعينيات في البلقان. ثم اتخذت العلاقة منحى جديدا من الصعود في عهد الرئيس جورج بوش ابتداءً من عام 2005 والذي شهد تكثيفا للتنسيق بين أمريكا والإخوان وبدعم من المخابرات المركزية.
إلى أن وصلت الأمور إلى فترة حكم أوباما الذي آلت إليه تركة واسعة ومتشابكة من العلاقات مع الإخوان – العميل الرئيسي لهم في المنطقة – والتي تمثل استثمارا سياسيا واستراتيجيا وماليا وجد أوباما من الصعب عليه الاستغناء عنه. وقد ظهرت مؤشرات تعاطفه مع الجماعة قبيل تنحى مبارك، وأثناء مظاهرات ميدان التحرير، حيث خرج روبرت جيبس المتحدث باسم البيت الأبيض ليدعو مبارك لإجراء انتخابات يشارك فيها الإخوان المسلمون.
وتتابعت الأحداث إلى أن فاز مرسى بالرئاسة وما كشف عنه دبلوماسيون أمريكيون بشأن ما قدمه حكم مرسى للولايات المتحدة من تطمينات بمحافظته على المصالح الأمريكية، وعلى المعاهدة مع إسرائيل. وتحدث هؤلاء الدبلوماسيون الأمريكيون عن الزيارات المنتظمة وغير المعلنة لقيادات الإخوان إلى واشنطن بعيدا عن وزارة الخارجية المصرية.
ولما عزل مرسى عقب الموجة الثانية للثورة في 30 يونيو 2013، ظهر بوضوح انحياز أوباما وإدارته للإخوان والضغوط السافرة التي لم تتوقف لصالحه، وهو ما كان يعكس المأزق الشديد الذي وجد أوباما نفسه فيه، فهو متمسك بوجود الإخوان في الحكم ولا يستطيع في نفس الوقت التفريط بالعلاقة مع دولة محورية كمصر، بالإضافة إلى أن هذا الموقف الأمريكي يمكن أن يجعل أمريكا تخسر رضا الشعب المصري نفسه، وما يلحق به من خسائر مماثلة من جانب الرأي العام العربي.
إن ملف العلاقة بين أمريكا والإخوان متخم بالأسرار التي تكشفها وثائق سعى وراء الحصول عليها كتاب عديدون من أبرزهم بيان جونسون وضباط المخابرات المركزية روبرت باير، وروبرت دريهر، وليندا هيرد، والمؤرخ برنارد لويس بالإضافة إلى تفاصيل عديدة عن حماس ونشأتها ودورها في إطار التنظيم الدولي للإخوان.
إن طبيعة العلاقة بين أمريكا والإخوان قد تكون خافية عن الغالبية العظمى من أعضاء الجماعة وشبابها والذين انضموا إليها مدفوعين بإيمانهم بالمعاني النبيلة عن الدعوة الإسلامية، لكن القيادات خاصة في الدائرة الضيقة منها محكومون بحسابات أبعد ما تكون عن فكرة الدعوة ومرتبطة كلية بمقتضيات السياسة وبكل ما يجرى في أبوابها الخلفية من ترتيبات لها أهداف أكبر وأوسع مدى من القدرات السياسية والفكرية لقيادات الجماعة والذين رهنوا مشروعهم السياسي في يد قوة كبرى لها استراتيجيات تعمل لحساب مصالحها في العالم أولا وأخيرا.
عاطف الغمري – صحيفة المنارالمصرية