الإخوان المسلمون كميليشيا… الثابت والمتغير في استراتيجيات العنف والتكفير

وكالة وطن 24 الاخبارية : مع اقتراب ذكرى ثورة الثلاثين من حزيران (يونيو) عام 2013، التي احتج فيها المصريون على حكم جماعة الإخوان المصنفة على قوائم الإرهاب في عدد من البلدان العربية، وهتفوا بـ”سقوط المرشد”، في إشارة لها دلالة لافتة ومباشرة ترمز لطبيعة السلطة ونمط الحكم المشبوه الذي يقع في تبعية للتنظيم، وينتمي إلى “الجماعة”، الأمر الذي يؤشر إلى تداعيات ذلك في السياسة بالمعنى الحركي والإيديولوجي الفئوي، مع اقتراب تلك الذكرى تبدو الحاجة ضرورية وملحة للكشف عن مساحات المناورة التي اضطلع بها التنظيم الأم لجماعات الإسلام السياسي في حقب التاريخ السياسي لمصر منذ التأسيس عام 1928، وضلوعهم في العنف، الذي لم يكن بحسب مزاعمهم، رد فعل على سياسة البطش أو القمع أو حتى سياق العنف للتنظيمات الفاشية في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي.

خطاب العنف

مع رغبة المصريين في إنهاء سنة الحكم المشؤوم لمحمد مرسي، لم تتوقف الجماعة الإرهابية عن خطابات العنف وفتاوى التكفير، فضلاً عن التهديد المباشر بالتنظيمات المسلحة التكفيرية بالخارج والتي سيتدفق عناصرها لإحداث فوضى وسيولة أمنية دموية. وبرز على منصة رابعة خطاب التكفير والتعبئة ضد المدنيين المعارضين لحكم الإخوان واعتبارهم في دائرة المروق وهدفاً للقتل، والأمر ذاته امتد إلى ضباط الجيش والشرطة واستهداف مؤسسات الدولة. فقد صرّح القيادي في جماعة الإخوان محمد البلتاجي بما يكشف عن مسؤولية ضمنية لتنظيمه في الحوادث الإرهابية التي اندلعت في سيناء، وقال إنّ ما يحدث في سيناء سيتوقف في اللحظة التي سيتراجع فيها الجيش عمّا وصفه بالانقلاب، وعودة مرسي إلى مهامه.

اقرأ/ي أيضا : هل كانت بداية دعوة “الإخوان المسلمين” تأسيساً للاستبداد؟

ووقعت هجمات عنيفة على الكنائس في محاولة لإثارة أزمة على أساس طائفي، وتعرضت مقرات أمنية وكمائن للشرطة للهجوم كذلك، تحديداً في مدينة العريش والشيخ زويد. وتزامنت تلك الجرائم مع خطاب تحريضي من قيادات الإخوان وآخرين من قوى الإسلام السياسي على رأسهم عاصم عبد الماجد وطارق الزمر، وهما قياديان في الجماعة الإسلامية، وتمّ تهديد معارضي حكم الإخوان بالقول: “لقد توعدونا بـ 30-6…، ونحن نعدهم بأنّهم سيُسحقون في هذا اليوم”، وأيضاً: “أيّها الإخوة، ستكون الضربة القاضية لكل مَن يدّعي أنّ معه العشرات أو المئات أو الآلاف… يوم 30 حزيران (يونيو)”. وهدد حازم صلاح أبو إسماعيل الذي كان وقتذاك على رأس حزب (الراية) قائلاً: “في 30 يونيو تقرر ضرب رصاص حي لحسم الأمور”؛ ولهذا  حدث اغتيال المقدم في قطاع الأمن الوطني محمد مبروك، والنائب العام هشام بركات.

نشاط اللجان النوعية

يمكن القول إنّ جرائم الإخوان التي نفذتها ما تُعرف بـ “اللجان النوعية”، لم تكن مباغتة، فهذه اللجان المتورطة في أعمال عنف دموية، وأسسها محمد كمال، لها أسس بنيوية في الهيكل التنظيمي والإيديولوجي للجماعة، وهناك سوابق عديدة لصدامات مماثلة مع الخلاف مع الحكومات المصرية في حقب تاريخية مختلفة منذ لحظة التأسيس حتى سقوط حكم الإخوان قبل (11) عاماً. وبمراجعة الأدبيات المؤسسة للجماعة، ومنها رسائل البنا (25) رسالة، نجد في رسالته المعنونة بـ: “بين الأمس واليوم” تأكيداً على العنف المحتوم، فيقول: “أحبّ أن أصارحكم أنّ دعوتكم ما زالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية”. وفي الرسائل ذاتها تلميحات أخرى إلى تكرار حدوث ما يُعرف بـ “المحن” التي يعقبها موجة عنف. فيقول: “الإخوان المسلمون سيستخدمون القوة العملية، حيث لا يجدي غيرها، وحيث يثقون أنّهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء، وسينذرون أوّلًا، وينتظرون بعد ذلك، ثم يقدمون في كرامة وعزة، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضا وارتياح”.

ويوضح البنا: “ستدخلون بذلك ولا شكّ في دور التجربة والامتحان، فتُسجنون وتُعتقلون، وتُنقلون وتُشردون، وتُصادر مصالحكم وتُعطل أعمالكم وتُفتش بيوتكم، وقد يطول بكم مدى هذا الامتحان: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}. ولكنّ الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين…، فهل أنتم مصرون على أن تكونوا أنصار الله؟”.

ويقول في رسالته “بين الأمس واليوم”: “وإن قيل لكم أنتم دعاة ثورة، فقولوا نحن دعاة حق وسلام، نعتقده ونعتز به، فإن ثرتم علينا ووقفتم في طريق دعوتنا، فقد أذن الله أن ندفع عن أنفسنا، وكنتم الثائرين الظالمين”.

وبالعودة إلى فكرة اللجان النوعية، فهي ليست جديدة بالمرّة. وقد صرّح المرشد المؤسس للإخوان فى مذكراته “الدعوة والداعية” أنّ الفِرق العسكرية للجماعة قد جرى تأسيسها في أعقاب انطلاق “الدعوة” حسب تعبيره، وكانت تُسمّى “فِرق الرحلات”.

نهج العنف ملازم لتاريخ الجماعة

إذاً، العنف الإخواني والإرهاب الدموي للجماعة، بعد انتصار ثورة الشعب المصري في 30 حزيران (يونيو) 2013 التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين، ليس عرضياً أو مؤقتاً، وإنّما محايث لتاريخ الجماعة. فمنذ اليوم الأول لعزل محمد مرسي أطلقت قيادات الجماعة ومؤيدوها حملة تحريض ممنهجة، تحولت إلى أعمال قتل وتفجير واغتيالات، في مشهد يفضح الوجه الدموي للإيديولوجيا المتطرفة. فبرز خطابها بحمولته الدينية المؤدلجة التكفيرية ضد الدولة والمؤسسات وضد المدنيين. وقد دعا محمد البلتاجي علانية إلى “إراقة الدماء”، ووصف الجيش والشرطة بـ “المرتدين”. وأصدرت “هيئة علماء الإخوان” بياناً يُحرّم التعاون مع الدولة، واعتبرت مقاومتها “جهاداً”. وهي في الأحوال كافة لم تكن مجرد كلمات، بل تحولت إلى أوامر فعلية. وفي آب (أغسطس) 2013 شهدت مصر مذبحة رمسيس الثانية، حين حرّض متظاهرون تابعون للجماعة على مهاجمة مواطنين مدنيين، ممّا أسفر عن سقوط عشرات الضحايا، وفي الشهر نفسه تم الاعتداء على الكنائس.

كما كشفت وثائق قضائية، مثل قضية “التخابر مع حماس” (2016)، عن تورط قيادات إخوانية في تدريب عناصر على صناعة المتفجرات. واعترف متهمون بأنّهم تلقوا أوامر بـ “ضرب الاقتصاد” عبر تفجير خطوط الغاز ومحطات الكهرباء. فالأدلة القضائية والإعلامية تثبت أنّ جماعة الإخوان تحولت إلى ميليشيات إرهابية بعد 30 حزيران (يونيو). ولم تكن جرائمها مجرد ردّ فعل عفوي، بل كانت جزءاً من استراتيجية الإقصاء الكلّي القائم على التكفير لكل من يقف على النقيض من سياساتها وأهدافها ومصالحها.

المصدر : حفريات 

الكاتب : كريم شفيق : كاتب مصري

زر الذهاب إلى الأعلى