مقال – المقاومة الفسلطينية والأجندة الإيرانية
وكالة وطن 24 الإخبارية : بقلم : محمد سعد عبدالحفيظ – لا تكُف طهران عن إحراج فصائل المقاومة الفلسطينية ووضعها فى موقف لا تُحسد عليه، فإما أن تعلن تلك الفصائل انحيازها وبشكل واضح لا لبس فيه لسياسات وتوجهات إيران الطائفية فى المنطقة بما يضعها فى مواجهة مع محيطها العربى، وإما أن يتوقف التدفق المالى والدعم العسكرى الذى تمرره الجمهورية الإسلامية.
قبل 6 سنوات، قررت إيران تقليص التدفقات المالية لحركة الجهاد فى غزة، بعدما رفضت الأخيرة إدانة عملية «عاصفة الحزم» العسكرية التى أطلقتها السعودية وحلفاؤها ضد مليشيا الحوثى المدعومة إيرانيا فى اليمن، ما عرض الحركة لأزمة مالية خانقة أعجزتها عن صرف رواتب موظفيها ومقاتلى جناحها العسكرى «سرايا القدس».
حينها حاول مسئولو «الجهاد» إقناع إيران بأن ليس من مصلحة الحركة ولا القضية الفلسطينية التورط فى الانحياز لأى طرف فى هذا الصراع، إلا أن طهران أصرت على إعلان الحركة لموقف واضح، رافعة شعار «من ليس معنا تحرم عليه أموالنا»، حسابات قادة «الجهاد» آنذاك دفعتهم إلى التمسك برفض التدخل فى خلافات الإقليم، وفقا لما أعلنه خالد البطش القيادى بالحركة «أخذنا موقفا حاسما على ألا نتدخل فى الشئون العربية الداخلية.. أريد كل العالم مع فلسطين».
كانت إيران قد تبنت موقفا مماثلا من حركة حماس وأوقفت دعمها المالى للحركة بسبب انحيازها المعلن ضد نظام الأسد فى سوريا عام 2013، لكن «حماس» التى لها علاقات وامتدادات دولية لم تتأثر كثيرا، فالروافد المالية القادمة من قطر وتركيا والتنظيم الدولى للإخوان سندت الحركة.
تمنُع ورفض «الجهاد» ومعها بعض فصائل المقاومة الفلسطينية للإملاءات الإيرانية وتمسكها بالحياد فى القضايا الخلافية الإقليمية يبدو أنه لم يصمد كثيرا، فالحركة التى وصفها أحد القادة العسكريين الإيرانيين هى وشقيقتها «حماس» بأنهما اثنان من 6 جيوش أسسها الحرس الثورى خارج الحدود الإيرانية لردع أى اعتداءات قد تستهدف طهران، سقطت أخيرا أسيرة للابتزاز الإيرانى، وأعلنت بشكل سافر تبنيها لسياسات طهران، ودعت قبل أسبوعين إلى مسيرة فى غزة لدعم فصيل يمنى محسوب مباشرة على الحرس الثورى.
جابت مسيرة «الجهاد» التى شارك فيها أعضاء بفصائل أخرى شوراع غزة، ورفع المشاركون فيها صورا لعبدالملك الحوثى وأخرى للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وللجنرال قاسم سليمانى قائد فيلق القدس بالحرس الثورى الإيرانى، الذى اغتالته أمريكا قبل عام، والذى تباهى قبل وفاته بسيطرة بلاده على 4 عواصم عربية هى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وأسر لصديقه الجنرال غلام على بأنهم أصحاب الوصاية على 6 جيوش عربية.
البطش عضو المكتب السياسى لـ«الجهاد» الذى صرح إبان أزمة 2016 بأن حركته تصر على عدم التدخل فى الخلافات الإقليمية حفاظا على القضية الفلسطينية، انتقد خلال المسيرة الأخيرة ما اسماه بـ«المجازر التى يرتكبها التحالف العربى فى اليمن»، وقال: «لم يعد أمامنا من خيار سوى أن نُعلى الصوت رفضا لقتل الأبرياء فى اليمن»، فيما دعا محمود الزهار القيادى بـ«حماس» الحوثيين إلى «الدفاع عن أنفسهم وعن اليمن» ضد من وصفهم بـ«المعتدين».
تناسى البطش والزهار ومن شارك فى دعم مليشيا الحوثى أن هذه الفئة هى من اغتصبت السلطة بقوة السلاح فى اليمن، وفى سبيل الحفاظ عليها قتلت وشردت واستباحت دماء اليمنيين تنفيذا لتعليمات الحرس الثورى، وتجاهل قادة الفصائل الذين تملك إيران زمام أمورهم أن أصحاب الفضل عليهم فى طهران حريصون على إذكاء الصراع فى اليمن، فالحوثيين والصراع واليمن كلها بالنسبة لهم ليست سوى ورقة تلعب بها إيران فى مفاوضتها مع القوى الدولية حول الملف النووى، وفى سبيل تحقيق هدفها عرقلت طهران كل مبادرات التسوية التى طرحتها قوى إقليمية ودولية.
موقف بعض الفصائل الفسطينية الأخير، المنحاز للفصيل المدعوم إيرانيا فى الصراع اليمنى، وضعهم فى خانة الموظف التابع لرب عمله يخشى معارضته أو تجاهل تعليماته فينقطع عيشه.
قد يفقد ما جرى المقاومة رصيدها المعنوى لدى حاضنها الشعبى العربى الذى ظل لعقود يرفعها فوق الرءوس لأنها تواجه عدو العرب الأول.
الآن وبعد أن أبدت المقاومة هذا الموقف، أليس من حق الشارع العربى أن يسأل: هل مشروع هذه الفصائل هو مشروع وطنى عربى أم أنه يخدم أغراض إيران وجزء من اللعبة التى تمارسها فى الأقليم لتحقيق أهدافها؟!
لم يخسر قادة المقاومة «قلوب اليمنيين الذين وضعوا فلسطين دائما داخل حدقات أعينهم»، بحسب تعبير معمر الإريانى وزير الثقافة اليمنى، بل منحوا عدونا المبرر لاستباحة غزة فى أى وقت بدعوى أنها إحدى قواعد المشروع الإيرانى فى المنطقة.
القضية الفلسطينية لن تستمر كقضية مركزية فى الوعى العربى، فى ظل اصطفاف بعض أصحابها إلى خصم يستهدف العبث بأمن العرب القومى، قد تكون الضرورات فرضت عليهم اللجوء إلى هذا الخصم، لكن لا يجب أن يخضعوا لابتزازه خاصة عندما يتعارض ذلك مع حاضنهم العربى.