“الجماعة الحائرة”.. قراءة تحليلية في التاريخ السياسي للإخوان المسلمين في الأردن

وكالة وطن 24 الاخبارية : يتناول كتاب “الجماعة الحائرة” لمؤلفه محمد أحمد البطاينة، قراءةً تحليلية في التاريخ السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن (1945 – 2015) من التأسيس إلى إعلان زمزم، القصة الكاملة وغير المروية عن جذور الصراع بين تيارات الجماعة؛ إذ يقدّم عرضاً تاريخياً تحليلياً لمسار جماعة الإخوان المسلمين في الأردن وتحوّلاتها الداخلية التنظيمية والفكرية.

ويؤشّر الكاتب بجرأةٍ وذكاء على مجموعة من الحالات والظواهر في الجماعة مثل؛ ثنائية الاستقطاب الاجتماعي في الأردن وتأثيرها على الجماعة. ويصف المؤلّف كتابه بأنّه “قراءة سياسية تحليلية، تتسم بالواقعية والبُعد عن الرغائبية، وتتجاوز الخطوط الحمراء التي يقف البعض أمامها ليمارس التقيّة في تفسير الحالة، متجاهلاً الحقائق الواضحة”.

نشأت الجماعة في الأردن برعايةٍ ملكية من الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين، وظلّت علاقة الجماعة بالنظام السياسي الأردني يغلبُ عليها الولاء والتعاون، لكنّها أيضاً علاقات تغيرت في محتواها وطبيعتها كما تغيرت الجماعة نفسها. ففي وحدة الضفتين عام 1950 توحّدت الجماعة أيضاً، وكان واضحاً الاختلاف التكويني والتنظيمي بين الإخوان المسلمين الفلسطينيين والأردنيين؛ فالفلسطينيون منغمسون بالسياسة والتحرير والمقاومة، والأردنيون مشغولون بالدعوة والعمل الاجتماعي، وإن كانوا بالطبع يؤيدون التحرير والمقاومة. وقد شاركوا بالفعل في حرب 1984 بثلاث كتائب قوامها 120 مقاتلاً بقيادة عبداللطيف أبو قورة الرئيس المؤسس للجماعة.

كما كان هناك اختلاف بين الجماعة الأردنية والجماعة الأم المصرية؛ التي شهدت في أوائل الخمسينيات صعوداً كبيراً بالتحالف مع أجنحةٍ سياسيةٍ فاعلة في النظام السّياسي المصري. ثم تحالف الإخوان مع الضباط الأحرار وانقلابهم -الذي سُمّي ثورة فيما بعد- عام 1952 وصاروا قوة سياسية فاعلة ومؤثرة حتى عام 1954.

إقرأ/ي أيضا العكايلة : مستقيلا “غير نادم ولا آسف” – خلافات كبيرة تعصف بجماعة الإخوان في الأردن

وفي ظلّ قوّتهم وتأثيرهم السياسي في مصر، تحركوا لتغيير الجماعة في الأردن، وأعادوا تشكيلها على نحوٍ أقرب إلى الجماعة في مصر. وكانت متحمسةً لهذا التغيير فئةٌ واسعة من أعضاء الجماعة الشباب والمتعلمين، وصار للجماعة قيادة جديدة باسم المراقب العام ومكتب تنفيذي مركزي. كما وأُعيد تسجيل الجماعة كهيئة إسلامية عامة مركزية، يمكنها فتح الشُعب والفروع في سائر أنحاء المملكة، وخرج عبداللطيف أبو قورة من الجماعة كما خرج معه معظم الجيل المؤسّس.

خرجت مجموعة من الأعضاء من الجماعة لتؤسس حزب التحرير الإسلامي بقيادة تقي الدين النبهاني، ثم خرجت مجموعة كبيرة للمشاركة في تأسيس حركة فتح في أواخر الخمسينيات. ثم استعادت الجماعة المبادرة بعد عام 1967ملتُعيد تنظيم نفسها وتطوّر مشاركتها السّياسية والعامة؛ مستفيدة من التحولات الفكرية والسياسية.

بدأت التيارات القومية واليسارية بالانحسار، وصعدت الاتجاهات والتيارات الدينية، لكنّه تطوّر غيّر في بُنية الجماعة وأفكارها على نحوٍ جوهريّ. فقد تخلّت الجماعة عن أفكارها وأجيالها الإصلاحية التي تشكلت في عقدي الخمسينيات والستينيات، لتتحول إلى جماعة احتجاجية تستمد أفكارها ومواردها من سيّد قطب ومن الشعور بالمرارة والغيظ تجاه هزيمة 1967؛ تلك المرارة التي تحوّلت إلى مزاجٍ سياسي واجتماعي احتجاجي ممتد في تأثيراته السياسية حتى اليوم.

إقرأ/ي أيضا : اخوان الاردن تنهي انتخابات مكتبها التنفيذي وسط صراع داخلي شديد

قادت الجماعة منذ عام 1972 وحتى عام 1990مجموعة من الاتجاه القطبي والاحتجاجي، وإن بقيت العلاقة مع النظام السياسي يغلب عليها الهدوء والتعاون، لكنّه هذه المرة تعاونٌ اضطراري، ولم يعُد انسجاماً في الرؤية والأهداف كما كان حال العلاقة منذ النشأة في منتصف الأربعينيات.

يقول مؤلف الكتاب، الصادر عن دار عالم الكتب الحديث، العام 2016: “تحوّل الوسط الفلسطيني المشكّل للقاعدة الاجتماعية للأحزاب اليسارية والقومية في الستينيات إلى الاتجاه الإسلامي، وكان هذا التحوّل ملائماً للدولة التي خرجت في عام 1970 من صراعٍ سياسي وعسكري مرير مع المنظمات الفلسطينية، والتي كان يغلبُ عليها الفكر القومي واليساري، وتتحالف معها أيضاً الأحزاب والحركات اليسارية والقومية. اعتقدت الدولة بأنها تستطيع كبح دوافع الهوية بأسلمتها، وأن تأسر النزعات الراديكالية “الفدائية” في سجن الحركة الإسلامية، لكن الجماعة التي حظيت بتأييدٍ اجتماعي فلسطيني واسع، تحوّلت هي في النهاية إلى جماعة فلسطينوية، ولم تكن “الإسلامية” سوى غطاء رقيق وهش للتهرب من استحقاق الاندماج بالهوية السياسية للدولة الأردنية التي يتمتعون بمواطنتها”.

وفي استئناف الديمقراطية عام 1989، والتي جاءت بعد احتجاجاتٍ شعبية واسعة، وفي سياق تغيّرات عالمية واسعة وعميقة، تغيّرت الجماعة، وفق الكاتب، أيضاً للمرّة الرابعة؛ إذ تحوّلت إلى حركة سياسية بمحتوى ديني احتجاجي أقرب إلى التكفير، وبتشكيلة اجتماعية دعوية تأثيرية. هكذا صعدتْ إلى قيادة الجماعة وحزب جبهة العمل الإسلامي الذي أُسس عام 1990 قيادات سياسية وتنظيمية إصلاحية ومعتدلة، كانت تتعرض للإقصاء والتهميش في السبعينيات والثمانينيات، لكن القاعدة الاجتماعية والتنظيمية الغالبة للجماعة كانت تنحاز الى مفاصلة اجتماعية ذات غطاء ديني.

وظلت القيادة السابقة للجماعة تحتفظ بالهيمنة على جمعية المركز الإسلامي ومؤسساتها، وشهدت الجماعة حالة من الانقسام والاستقطاب العمودية، والتي تحوّلت إلى عداءٍ سياسي واجتماعي، لدرجة أنّ نوّاب الإخوان المسلمين من التيار المسمى “صقور” لم ينتخبوا عبداللطيف عربيات لرئاسة مجلس النواب، بل إنّ الانتخابات النيابية عام 1993 شهدت انقساماً وتحريضاً بين مرشحي الجماعة الواحدة، وتطور هذا الانقسام واتخذ اتجاهاً معقداً بدخول حركة حماس في المعادلة الإخوانية والسياسية الأردنية، ثم صعد في الجماعة بعد إبعاد قادة الحركة من عمان عام 1999 تيار فلسطينوي حماسوي وألحق الجماعة بحركة حماس.

دخلت جماعة الإخوان المسلمين في سياق التنظيم العالمي في حوار إيجابي مع الولايات المتحدة، لكن الجماعة في الأردن كانت تُمعن في الانقسام الداخلي والعدائي بين مكوناتها وتياراتها، وجاء الربيع العربي العام 2011 ليعصف بالجماعة وما تبقى منها. لقد كانت رحلة للجماعة تشبه رحلة قافلة من الإبل أنهكها التيه والعطش، وحين وجدت الماء فجأة غرقت فيه.

كانت تبدو الجماعة عشية الانتخابات التنظيمية العام 2012 أربع جماعات. فقد تطورت التيارات والاتجاهات على نحوٍ لم يعد يحتمل فرصةً للتعاون أو العمل المشترك، في ظل جماعة واحدة، وهذه المجموعات -حسب تسمية المؤلف- هي:

1-الانعزاليون الذين سُمّوا في الصحافة صقور؛ وهم مجموعة معادية عداء أيديولوجياً للنظام والدولة والوطنية والهوية الأردنية، وتدعو إلى المفاصلة مع الدولة وكل من ليس معها، لكنّها في الوقت نفسه تعمل في الوسط الفلسطيني على أساس اجتماعي وسياسي وتظهر تأييداً وتعاطفاً كبيراً مع حركة حماس.

2-جماعة القصر (الحمائم)؛ وهم تيار تقوده مجموعة من الشخصيات المخضرمة شغل معظمها مواقع متقدمة في السلطة والبرلمان.

3-التيار الوطني الإصلاحي.

4-التيار الفئوي (المكتب السياسي لحماس) والمسمى إعلامياً التيار الرابع؛ وهم مجموعة تتبع حركة حماس في الخارج. ويحظى هذا التيار بنفوذٍ واسع في صحيفة السبيل، ومركز دراسات الشرق الأوسط، وفي النقابات المهنية، والجامعات، والمخيمات، والوسط الفلسطيني في الأردن وخارج فلسطين.

وأعلن التيار الوطني عن مبادرة إصلاحية وطنية، سُمّيت مبادرة زمزم، ثم تحوّلت المبادرة إلى حزب المؤتمر الوطني، ثم لحقت بهم المجموعة التي لم تشاركهم من التيار نفسه لتؤسس حزب الشراكة والإنقاذ.

وتقدّمت مجموعة من الإخوان، بقيادة المراقب العام السابق للجماعة عبدالمجيد الذنيبات، بمبادرة لأجل التصويب القانوني للجماعة، فانقسمت الجماعة بذلك إلى جماعتين؛ إحداهما حصلت قانونياً على الاسم (الإخوان المسلمون)، والثانية فقدت وجودها القانوني وإن احتفظت بأغلبية الأعضاء.

ويختم المؤلف بخلاصةٍ مفادها أنّ أزمة الإخوان المسلمين هي أزمة الهوية السياسية للدولة الأردنية والمجتمع الأردني، فهناك رفض للهوية السياسية للدولة، مصحوب برغبة بالتمتع بحقوق الجنسية واستكمال حقوق المواطنة دون تقديم الواجبات.

هكذا تحوّلت الجماعة أو ما بقي منها مظلّة سياسية واجتماعية لرافضي الاندماج في المشروع السياسي الوطني، والراغبين في هذا الرفض، والمستفيدين منه. ويا لها من مفارقة مؤلمة، مفارقة النُبل الذي يتحول إلى فساد كبير.

المصدر : حفريات 

زر الذهاب إلى الأعلى