دراسة : خلال الحرب على غزة صوت الإخوان يرتفع في الدول العربية ويخفت في أوروبا

وكالة وطن 24 الاخبارية : على النقيض من تحركاتهم المكثفة لتحريك الشارع داخل الدول العربية ضد الحكومات والأنظمة، تذرعاً بنصرة غزة، يبدو موقف الإخوان المسلمين داخل المجتمع الأوروبي على مدار الأشهر الماضية، ومنذ اندلاع الحرب في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، يبدو أقرب إلى صمت عام، خشية الملاحقات الأوروبية وتجنباً لأيّ مضايقات قد تطال التنظيم من جانب الحكومات التي أعلنت صراحة دعمها لإسرائيل.

وفي السياق، رصدت دراسة حديثة صادرة عن (المركز الدولي للدراسات) تحت عنوان: “صوت الإخوان يرتفع في الدول العربية ويخفت في أوروبا” تناقضاً ملحوظاً لموقف الإخوان داخل أوروبا من الأحداث في غزة، مؤكدة أنّ الجماعة تفضل مصلحتها في نيل رضا ودعم الحكومات الأوروبية على دعم ومناصرة الفلسطينيين.

تناقض إخواني تحكمه مصالح التنظيم

تقول الدراسة إنّه منذ اندلاع الحرب في غزة نشط تنظيم الإخوان المسلمين بكثافة، ورغم أنّه كان من المتوقع أن يشكل عبر دعواته لمظاهرات واحتجاجات ضخمة في الدول الأوروبية ضغطاً لإيقاف الحرب، فإنّ ما فعله كان العكس، فقد أحجم عن الظهور في الواجهة هناك؛ لتخوف قياداته من تضرر مصالحهم الشخصية وطردهم أو سحب الإقامات والجنسيات منهم في الدول الأوروبية.

وفي المقابل أعلنوا النفير العام في بعض الدول العربية، وباتوا يقدمون أنفسهم في واجهة قيادة المظاهرات والاحتجاجات، الأمر الذي كشف ازدواجية التنظيم في التعامل مع حرب غزة، وأنّه يراها في الأساس فرصة للعودة إلى الواجهة السياسية في الشرق الأوسط.

توجس أوروبي

رغم أنّ الإخوان أحجموا عن الظهور في المظاهرات بالدول الأوروبية، فإنّ الحكومات هناك باتت تتوجس من أخطار التنظيمات الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان، بعد حرب غزة، وهناك العديد من الأسباب التي أثارت المخاوف بهذا الخصوص؛ منها تنامي مشاعر الاحتقان بين المسلمين، واصطفاف الكثير من الدول الأوروبية  مع إسرائيل، فضلاً عن تنامي اليمين المتطرف في العديد من تلك الدول، وفق الدراسة.

كذلك تزايد نشاط الإخوان الذين يستغلون كل تلك الأحداث لاستقطاب الأفراد المتطرفين وتجنيدهم خاصة بين المهاجرين، والذين كانوا منتمين أو مؤيدين لتنظيمي داعش والقاعدة في سوريا والعراق.

استناداً إلى تلك المخاوف، كثفت الاستخبارات الأوروبية عامة والألمانية والفرنسية بشكل خاص جهودها في جمع المعلومات عن طبيعة العلاقات المستترة بين الإخوان المسلمين والمنظمات الإسلامية من جانب، والإخوان وباقي التنظيمات المتطرفة مثل تنظيمي داعش والقاعدة من جانب آخر؛ للحدّ من أخطار التنظيم، وسدّ الطريق أمام أيّ محاولات لتنفيذ عمليات إرهابية في أوروبا.

كثفت الاستخبارات الأوروبية عامة والألمانية والفرنسية بشكل خاص جهودها في جمع المعلومات عن طبيعة العلاقات المستترة بين الإخوان المسلمين والمنظمات الإسلامية من جانب، والإخوان وباقي التنظيمات المتطرفة مثل تنظيمي داعش والقاعدة من جانب آخر؛ للحدّ من أخطار التنظيم، وسدّ الطريق أمام أيّ محاولات لتنفيذ عمليات إرهابية في أوروبا.

من بين الإجراءات التي تحاول ألمانيا اتخاذها، والتي قد تكون الأخطر على الإخوان ونشاطهم، سنّ قانون يمنع مَن ارتكبوا أفعالاً معادية للسامية من الحصول على الجنسية الألمانية “موقع الحرة، 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2023”. فتمرير قانون كهذا سيسمح بحظر الكثير من المنظمات والجمعيات الإخوانية بتهمة دعم حماس، وبالتالي معاداة السامية، وطرد الكثير من عناصر الإخوان المؤيدين لحماس، أو حرمانهم من الجنسية، وكل هذه الأمور قد تثير مخاوف الجالية المسلمة في ألمانيا وتؤدي إلى نفورها من التنظيم، بحسب الدراسة.

خطة الإخوان البديلة

وتشير الدراسة إلى أنّ هذه المخاوف ستدفع الإخوان إلى البحث عن أساليب بديلة لضمان تغلغلهم داخل الجالية المسلمة، وذلك عبر تأسيس منظمات وجمعيات جديدة تختلف كليّاً عن الشكل القديم للمنظمات الإخوانية، وخاصة التي باتت مكشوفة الانتماء بالنسبة إلى السلطات الألمانية، وسيحرص الإخوان على أن ترفع المنظمات الجديدة شعارات تدعو إلى الديمقراطية والسلام والاندماج وغيرها من الشعارات التي تُبعد الشبهات عن أيّ صلة بينها وبين الإخوان، وذلك بهدف الحفاظ على مصادر تمويلها والقدرة على التغلغل داخل الجاليات المسلمة دون أن يثير ذلك مخاوف تلك الجاليات.

ووفق الدراسة، فإنّ حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الأكثر شعبية في ألمانيا، يقود الجهود منذ نهاية شهر آب (أغسطس) الماضي؛ بهدف وضع برنامج جديد يتضمن مكافحة الإخوان.

ما يدفع دول أوروبا إلى التأني والحذر بشأن حظر أو تصنيف أو إدراج التنظيم على قوائم الإرهاب، هو الخوف من استهداف مصالحها حول العالم لا سيّما في الشرق الأوسط.

وهذا الأمر إن دخل حيز التنفيذ، فسوف يشكّل ضربة قوية لنشاط وتمويل الإخوان في ألمانيا، خاصة أنّ البرنامج الجديد للحزب يشمل منع الجمعيات الإسلامية والقومية من أن تكون شريكة في المناقشات أو العقود وتلقي التمويل الحكومي.

ولا شك في أنّ مثل هذا البرنامج في حال تطبيقه ستكون له تداعيات كبيرة على مصادر تمويل الإخوان ونشاطهم داخل ألمانيا، خاصة أنّه يوجد في ألمانيا ما يقارب (960) جمعية ومركزاً إسلامياً، غالبيتها تعمل تحت مظلة الاتحاد التركي الإسلامي (DITIB).

إلا أنّه، في ظل التطورات الجديدة التي أحدثتها حرب غزة والتي أثارت مخاوف الحكومات والشعوب الأوروبية، يبدو أنّ تنظيم الإخوان سيواجه مصيراً مظلماً داخل القارة الأوروبية التي لطالما وفرت حواضن للتنظيم وقدمت كافة أوجه الدعم له. حتى وإن تأسست جمعيات ومنظمات جديدة، فإنّ فائدتها ستقتصر على النواحي المادية أكثر من الإيديولوجية، لأنّها ستكون محكومة هذه المرة بالحرص على عدم الكشف عن توجهاتها الإخوانية؛ وبالتالي لن تتمكن من التأثير في الجاليات المسلمة في ألمانيا كما كانت تفعل سابقاً.

وفي النمسا تتشكل ملامح جبهة جديدة ينوي “حزب الحرية النمساوي” فتحها ضد الإسلام السياسي، وقد باتت تتصدر المشهد السياسي والإعلامي في البلاد، وخاصة بعد اجتماع اللجنة الفرعية “للتطرف” في برلمان ولاية النمسا العليا بتاريخ 28 أيلول (سبتمبر) 2023. وقال سكرتير حزب الحرية الشعبوي مايكل جروبر خلال الاجتماع: “إنّ الخطر الكبير هو الإسلام السياسي (…)، وقد تم مؤخراً إنشاء خلية مكونة من (10) من المتعاطفين مع (داعش) في لينز لاند، ممّا شكل تهديداً حقيقياً؛ لهذا السبب، وبإصرارنا، سيكون الاجتماع القادم للجنة الفرعية للتطرف أيضاً تحت عنوان الإسلام السياسي”.

الإخوان وصناعة التطرف داخل أوروبا

بالنسبة إلى أوروبا لا تكمن المشكلة في ازدياد عدد المسلمين، وإنّما في التطرف والإرهاب والسلوك العنيف الذي يُمارَس نتيجة للتربية الإيديولوجية المتطرفة التي يكرسها السلفيون وتنظيم الإخوان المسلمين في البلاد.

تلك الإيديولوجية تمنع المسلمين من الاندماج في المجتمع النمساوي، وتعزز الانفصالية الإسلاموية، وتؤدي إلى إنشاء كيان موازٍ داخل الدولة النمساوية، وهذا ما يثير مخاوف الحكومة والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني في البلاد. لذا توقع مسؤولو أمن أوروبيون تزايد التهديدات بوقوع هجمات ينفذها إسلاميون أصبحوا متشددين بسبب الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين، مرجحين أن تمثل “الذئاب المنفردة” الخطر الأكبر.

في المحصلة، قد تواجه الدول الأوروبية بعد حرب غزة خطرين: الأول هو تصاعد نفوذ الإخوان المسلمين وسيطرتهم على أكبر المراكز الإسلامية؛ والثاني يتمثل في انتشار جماعات اليمين المتطرف وممارساتها العنصرية ضد الأقليات وخاصة الجالية المسلمة. لذا مع تزايد أخطار تيار الإسلام السياسي، تصبح قضية دمج المسلمين في المجتمع الأوروبي من أولويات عمل الحكومة ومنظمات المجتمع المدني لسدّ أيّ ثغرات في العلاقات بين الجاليات المسلمة وباقي فئات المجتمع، وصد محاولات الإخوان استقطاب فئات الشباب نحو التطرف باستغلال حرب غزة وممارسات جماعات اليمين المتطرف العنصرية ضد المسلمين.

رغم تقارير الاستخبارات الأوروبية بشأن تنظيمات الإسلام السياسي، وأنّها باتت أكثر خطورة من التنظيمات الجهادية السلفية لأنّ عملها يعتمد على التخفي والسرية واتخاذ المساجد والمراكز الإسلامية واجهة، فإنّه ما يزال هناك بعض القصور بشأن كيفية تنفيذ قرارات إدراج الأفراد والكيانات والتنظيمات الإرهابية على قوائم الإرهاب في أوروبا.

ويبدو أنّ إعلان الحكومة الفرنسية في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 دعمها الكامل لإسرائيل، وسط تأكيد إيمانويل ماكرون أنّ الحرب ضد الإرهاب هي قضية مشتركة، بمثابة دعوة فرنسية صريحة لدول الاتحاد الأوروبي إلى توحيد موقفها حيال حماس والإخوان والتعاون في محاربة الإرهاب (المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات)، تشرين الأول (أكتوبر) 2023.

خسائر فادحة للتنظيم

تشير الدراسة إلى تعرض الإخوان لخسائر وانتكاسات في معظم الدول العربية، وفقدانهم السلطة والكثير من القاعدة الشعبية في العديد من البلدان العربية، ووسط الانقسامات الداخلية لتنظيم الإخوان التي أفقدته الكثير من تأثيره، جاءت عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها حماس الإخوانية كفرصة جديدة للتنظيم لاستغلالها للصعود إلى المشهد السياسي والاجتماعي في الوطن العربي، مستغلاً تنامي المشاعر المتعاطفة مع أهالي غزة والفلسطينيين، ليظهر الإخوان في واجهة العديد من المظاهرات والحراك الشعبي الذي تشهده دول المنطقة.

ورغم تقارير الاستخبارات الأوروبية بشأن تنظيمات الإسلام السياسي، وأنّها باتت أكثر خطورة من التنظيمات الجهادية السلفية لأنّ عملها يعتمد على التخفي والسرّية واتخاذ المساجد والمراكز الإسلامية واجهة، فإنّه ما يزال هناك بعض القصور بشأن كيفية تنفيذ قرارات إدراج الأفراد والكيانات والتنظيمات الإرهابية على قوائم الإرهاب في أوروبا.

ويبدو أنّ ما يدفع دول أوروبا إلى التأني والحذر بشأن حظر أو تصنيف أو إدراج التنظيم على قوائم الإرهاب، هو الخوف من استهداف مصالحها حول العالم لا سيّما في الشرق الأوسط، وكذلك الخوف من تنفيذ هجمات إرهابية على أراضيها، كما أنّ لبعض السياسيين مصالح في التقرب من الإسلام السياسي لكسب الأصوات المسلمة في الانتخابات؛ لأنّ الإخوان يضعون أنفسهم ممثلين للجاليات المسلمة في المراكز والجمعيات.

رشا عمار : كاتبة مصرية 

المصدر : حفريات 

زر الذهاب إلى الأعلى