حماس ترث المندوب البريطاني !

وكالة وطن 24 الإخبارية : بعد عقد ونصف العقد من حكم حماس، يتأكد في جوهره كحكم عسكري/عرفي، مغلف بواجهة مدنية، عبر ما تسمى لجنة العمل الحكومي، دون أن يكون هناك أي جهة مهمة للرقابة والمساءلة، للسلطة التنفيذية، التي هي في الغالب تنفذ أوامر وقرارات عسكرية، بعد أن تعطل العمل أولا بالسلطة التشريعية التي أصلها إجراء الانتخابات، وثانيا غياب أي لون سياسي غير حماس عن أصول الحكم، وثالثا، تعطيل منظومة القوانين المعمول بها في ولاية السلطة التنفيذية، ذلك أن حكم حماس في غزة، يعتبر نفسه في حل منها، وهو لا يخضع لها، ولا يتواصل معها حتى، وفي كثير من الأحيان يصر على الاختلاف معها، لتأكيد سلطته المستقلة عنها.

وحكم حماس وهو بهذه الصفة، أشبه بنار يحترق في أتونها الشعب الفلسطيني المقيم في قطاع غزة، كما لو كان يعيش في “قدرة ضغط”، لا بد أن يأتي يوم ما وتنفجر، ذلك أنه حتى “التنفيس” عما يجول في الصدور غير مسموح به في ظل حكم حماس العرفي، ويبدو أن المشاكل الداخلية مع مرور الوقت قد بدأت تنفجر تباعا في وجه حكم حماس، ومن هذه المشاكل العالقة منذ سنين، مشكلة ما تسمى “أرض المندوب”، وذلك نسبة وانتسابا للمندوب السامي البريطاني، الذي كان هو رأس هرم الحكم الاستعماري الذي استمر في بلادنا ثلاثة عقود ما بين عامي 1918 – 1948، والتي تحولت إلى قضية رأي عام مؤخراً، نظراً لأنها تمس حياة عشرات العائلات العريقة التي تعيش منذ مئات السنين في كل من خان يونس ورفح، ونظراً لأن حكم حماس ما زال يصر على التعامل مع الملف وفق منطق المندوب البريطاني!.

ويعود أصل المشكلة إلى كون الأراضي المتنازع عليها بين حكم حماس والعائلات المالكة بالعرف أو بما تم التعارف عليه ليس بين مواطني تلك المنطقة وحسب، بل وبين العائلات وأنظمة الحكم المتتابعة التي مرت على فلسطين والمنطقة، منذ العهد العثماني وصولاً إلى حكم حماس.

وأيام العهد العثماني كانت أرض قطاع غزة تنقسم وفق قانون الأراضي العثماني منذ العام 1858 إلى خمسة أقسام: الأرض الملك، الأميرية، الموات، الوقف، والمتروكة، فيما أفرزت التغيرات السياسية اللاحقة وصفا آخر هو الواقعي ويشمل المندوب، المحلول، المالية، الأقساط واللاجئين، وأرض المندوب تقع جنوب القطاع، وتحديداً في المواصي غرب خان يونس، وفي القرارة شمالها، وفي رفح، وهي تمتد مع شاطئ البحر بمساحة تقدر بنحو تسعة آلاف دونم.

وقد تم تسجيل الأراضي المزروعة أيام الانتداب مقابل دفع الضرائب، فيما بقيت الكثبان الرملية ضمن حيازة السكان استعمالاً واستغلالاً وسميت أرض المندوب، حيث إنها اعتبرت وديعة لدى أناس محددين، توارثوا تلك الصفة من الملكية عبر نحو مئة وخمسين عاماً.
اليوم تدّعي حماس أن هذه الأراضي هي أرض حكومية، ولأنها غير مسجلة كأرض أهالي، فإن حكم حماس يمنع البناء فيها، أو تمديد الخدمات البلدية، إلا بعد تسجيلها ودفع رسوم التسجيل، كما لو أن المواطنين باتوا أمام أحد خيارين، إما الإخلاء أو شراؤها من “مالكها” أي حكومة حماس، هذا على اعتبار أنها أرض حكومية، وأن حماس هي حكومة شرعية أصلاً.

وفي مواجهة النمو الطبيعي للحياة، فقد بات الضغط على الأهالي الذين يتزايدون في منطقة جغرافية ضيقة أصلاً كبيراً، فيما تواجه حماس نفسها ضغط حاجاتها الخاصة بالصرف على جيش موظفيها، البالغ عددهم 40 ألفاً، وهي بدأت فعلا منذ العام 2016 بتخصيص آلاف الدونمات من الأرض الحكومية مقابل مستحقات موظفيها المتراكمة عليها، بحيث منحت 13 ألفاً من موظفيها أراضي مقابل استحقاقاتهم، وكذلك لتغطية مصاريف الحفاظ على حكمها، وهي بعد أن استولت على الأرض الحكومية كلها والتي تقدر في قطاع غزة بنحو ثلث مساحته، تواجه معضلة تسوية تلك المستحقات.

وحماس قامت حتى الآن بالتصرف بآلاف الدونمات من أرض غزة الضيقة والمحدودة عبر إنشاء المشاريع الزراعية والمساجد والمشاريع الحكومية والخاصة بقياداتها، وكأمثلة أقامت حماس في خان يونس مدينة أصداء الترفيهية على مساحة ألف دونم بإدارة أحد قياداتها، والتي تعود إيراداتها إلى الحركة وليس إلى البلدية أو الحكومة، هي حماس نفسها التي خصصت أكثر من 500 دونم من أراضي دولة فلسطين العام 2019 وحده.

وبعد أن تصرفت بكل ما سمته أرض المحررات والتي تقدر بنحو 30 ألف دونم، استولت حماس على 95% منها، ووزعتها لإقامة المعسكرات لقوات القسام وحلفائها الصغار، والمشاريع المختلفة لا تجد أمامها اليوم سوى أرض المندوب، لتواصل سطوها على أملاك الناس وعلى أملاك الدولة في آن واحد. وهي تعرض حتى الآن لتسوية الأمر أن تتقاسم ما تسمى أرض المندوب بينها وبين الأهالي، بنسبة 50% لكل طرف، فيما يوافق المواطنون على استقطاع ما نسبته 25% من مساحة الأرض لصالح المشاريع التطويرية في المنطقة التي تخدم عامة الناس، مثل المدارس، الطرق، المساجد وغيرها.

وكانت حماس قد فتحت هذا الملف العام 2013، دون أن تنجح في حله، وهي تتجاهل القوانين الفلسطينية ذات الصلة، وتتجاهل كذلك التقليد الذي سارت عليه الإدارة المصرية التي أدارت قطاع غزة ما بين عامي 1948 – 1967، وكذلك إدارة السلطة الفلسطينية ما بين عامي 1994 – 2007.

وما زالت القضية قيد التفاعل، وهي تنذر بمواجهة بين حماس، وليس بين السلطة أو فتح حول الخلاف السياسي بينهما كما تدعي دائما، بل بينها وبين المواطنين الذين لاحقتهم في قوت حياتهم وفي ممتلكاتهم، ولا تعرف إلا لغة سطوة الحكم، كبديل عن القانون وعن الحوار، الذي يقبل عبره المواطنون وفي ظل تمثيل رئاسي وعبر تشكيل إجماع وطني، بالحل الوسط، لكن الضائقة التي تحيط بجميع من هم في قطاع غزة، جراء حصار متواصل منذ عقد ونصف العقد، تتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى سلطة الأمر الواقع، يدفع من هم في الحكم بدرجة أولى إلى التسلط على الناس الذين هم وبمن فيهم الفصائل السياسية، ضعفاء ومغلوبون على أمرهم في مقابل حكم حماس المتكئ على القوة العسكرية، بحيث تقدم على انتزاع ما يشبع شهوتها في السلطة والتحكم، بقوة الفرض والإجبار، بما يعيد للأذهان – للأسف – ما واجهه شعبنا من معاناة مع الاحتلالات السابقة، من العهد العثماني، الذي تعتبر حماس نفسها أنها وريثته، إلى الاحتلال الإسرائيلي، مرورا باستعمار المندوب البريطاني، الذي مارس سياسة نزع ملكية الفلسطينيين للأرض، كمقدمة لتسليمها للمستوطنين اليهود.

بقلم رجب أبو سرية

 

 

قد يعجبك ايضا