المشروع الإخواني في المنطقة العربية.. وسائل التمكين وآليات المواجهة

وكالة وطن 24 الاخبارية : كان تقويض بعض الدول لجماعة الإخوان كتنظيم أيسر على أرض الواقع من التخلص من جماعة الإخوان كمشروع فكري تغلغل داخل الهيئات والمنظمات، واستطاع اختراق مؤسسات وهيئات رسمية ومدنية ودينية وتعليمية واجتماعية وخيرية، فإذا سقط التنظيم، بقي المشروع، ودخلت الدول في حرب أخرى بآليات مختلفة للقضاء على المشروع، تختلف عن آليات القضاء على التنظيم.

الأردن وتجفيف المنابع

القرار الذي أصدرته إحدى المحاكم الأردنية فتح الباب للحديث عن مدى توغل جماعة الإخوان في المؤسسات والهيئات وسبل المواجهة، ففي الأردن أصدرت محكمة بداية عمان، بصفتها الاستئنافية يوم الأحد 26 حزيران (يونيو) الماضي،  قرارها المتضمن قبول الاستئناف المقدّم من قبل نقابة المعلمين موضوعاً، وفسخ القرار الصادر عن محكمة صلح حقوق عمّان الصادر بتاريخ 31 كانون الأول (ديسمبر) 2020، والمتضمن حل نقابة المعلمين، والحكم بوقف ملاحقة النقابة عن جميع الجرائم المسندة إليها كونها من أشخاص القانون العام، وبالوقت ذاته قررت المحكمة تأييد القرار القاضي بحلّ مجلس نقابة المعلمين الأردنيين، والهيئة المركزية وهيئات الفروع.

وقررت المحكمة تخفيض العقوبة الصادرة بحق أعضاء المجلس؛ لتصبح مدة (3) أشهر لكل منهم، بإدانتهم عن “جرم التجمهر غير المشروع، وجرم الحض على الكراهية في المؤسسات التعليمية”، بدلاً من الحبس سنة، لرغبة المحكمة بمنحهم فرصة أخرى، الأمر الذي يعتبر من قبيل الأسباب المخففة القضائية.1

وقد عُدّت هذه خطوة مهمة من القضاء الأردني؛ لوقف توغل الإخوان داخل المؤسسات التعليمية، التي استطاعت فيها الجماعة طوال أعوام مضت اختراق هذه المؤسسات.

المرجعية الفكرية للتمكين

 حرصت جماعة الإخوان على تمويل الجمعيات الخيرية، والمشافي، والمدارس، والمعاهد، ورياض الأطفال، ومؤسسات المجتمع المدني، والصحافة والإعلام، والنقابات؛ لجذب الأتباع وتجنيدهم، ولوضع العراقيل والصعوبات أمام اقتلاع الجماعة من المجتمع الذي تتوغل فيه، وقد أسهمت الشركات التي يملكها رجال أعمال ينتمون للجماعة في تعزيز التواجد المجتمعي للتنظيم؛ عبر تمويل الجماعة في مجال التعليم والأعمال الخيرية، والنشاطات الدعوية، بالإضافة إلى دعم دولتي قطر وتركيا لهذا التوجه الإخواني.

تتجلى الخطورة الكبرى عندما يخترق التنظيم بعض الدول ويصل إلى أعلى الهرم فيها؛ لتصبح مقومات وثروات ومؤسسات هذه الدولة المخترقة في خدمة أجنداتهم وأهدافهم

والتوجه الإخواني نحو اختراق المجتمعات ليس وليد المصادفة، فهو توجه قديم قدم نشأة جماعة الإخوان نفسها، وقد اصطلح على تسميته بـ (التمكين) وسمّاه البعض بـ (الأخونة)، وقد عبّر سيد قطب عن أهمية التمكين بتغيير المجتمعات بقوله: “إنّ مهمتنا الأولى هي تغيير واقع هذا المجتمع، هذا الواقع الجاهلي الذي يصطدم اصطداماً أساسياً بالمنهج الإسلامي”2. وظهرت خطوط التمكين في وثيقة ضُبطت في مصر العام 1992م، ونجحت الجماعة من خلال (التمكين) في تعزيز تواجدها وحضورها المجتمعي والديني والسياسي؛ لخلق مجتمع مواز، ودين مواز، ومؤسسات موازية.

وتتجلى الخطورة الكبرى عندما يخترق التنظيم بعض الدول، ويصل إلى أعلى الهرم فيها؛ لتصبح مقومات وثروات ومؤسسات هذه الدولة المخترقة في خدمة أجنداتهم وأهدافهم، كما هو حاصل لبعض الدول التي تدعم التنظيم الإخواني والمتطرفين في كل مكان، وتسعى لاختراق الدول الأخرى ومؤسساتها، تحت شعارات التعاون المشترك، متجاوزين حدود العلاقات الطبيعية مع الدول، إلى محاولات اختراق مؤسساتها التعليمية أو الدينية أو غيرها؛ لتحقيق أهدافهم المنشودة.3

من نماذج الاختراق

1- الأردن: كغيره من الدول، تأثرت فيه جماعة الإخوان بالزلزال الذي حدث في مصر في 30 حزيران (يونيو) 2013م، فصدر حكم بحلّ الجماعة في تموز (يوليو) 2020، فقطع الحكم القضائي الطريق على الجماعة، بالإضافة إلى الانشقاقات الحادة التي تعرضت لها الجماعة في الأردن، لكن ظل حزب جبهة العمل الإسلامي – الذراع السياسية لجماعة الإخوان في الأردن- يعمل كما هو بغطاء قانوني رسمي، ويعلن الحزب أنّ الإخوان يمثلون المرجعية الفكرية والتربوية له، وله (39) فرعاً ينتشرون في كافة مناطق الأردن، كما أنّ له أنشطة سياسية واجتماعية وخيرية متنوعة.

ومن ثَمّ يمكن القول إنّ جماعة الإخوان ما زالت إلى الآن تعمل على اختراق المؤسسات والجمعيات والهيئات والنقابات في الأردن عبر حزب جبهة العمل الإسلامي، وإن كان القرار الأخير، وقبله قرارات مماثلة، تنبئ باتجاه الدولة نحو تجفيف منابع الجماعة وأذرعها.

2- الكويت: برزت قضية القيادي الإخواني المصري، عبد الرحمن الطواب، الذي تمكن من التسلل إلى موقع مرموق بوزارة الأوقاف الكويتية، وأحد الذين ارتبطوا بالعنف في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة، وبعد أن أفرجت عنه السلطات المصرية، ظهر في منصب بوزارة الأوقاف الكويتية، وعمل بالموسوعة الفقهية في وزارة الأوقاف هناك، وتُعدّ وزارة الأوقاف من أكثر المؤسسات الكويتية التي اخترقها الإخوان، واستفادوا من وجودهم فيها لخدمة أجندتهم.

لقيادي الإخواني المصري، عبد الرحمن الطواب، الذي تمكن من التسلل إلى موقع مرموق بوزارة الأوقاف الكويتية

3ـ المغرب: يتجلى الحضور الإخواني بصورة مكثفة في المغرب من خلال “الكتائب الإلكترونية”، وصحيفة “الأحداث المغربية”، وصحيفة “الصباح”، ومنابر أخرى على شبكة الإنترنت، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، ويتوغلون في القطاع النقابي، والمجسّد في “الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب”، والقطاع الطلابي مع “منظمة التجديد الطلابي”، والقطاع النسائي، المجسّد في “منظمة تجديد الوعي النسائي”، والقطاع الإعلامي، وخاصة الإعلام الإلكتروني، والقطاع الحقوقي عبر “منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، والمتمثل في “الدائرة الحقوقية لجماعة العدل والإحسان”.

وبحثيّاً قام الإخوان باختراق النخبة البحثية، من خلال المراكز البحثية التابعة للمشروع، أو التي تدّعي الاستقلالية ولكنّها تابعة للمشروع الإخواني، فحركة “التوحيد والإصلاح” لديها “المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة”، وهو الذي يصدر مجلة “تحولات معاصرة”، وحتى المراكز التي تدّعي الاستقلالية، نجد أنّها تابعة للإخوان مثل: “المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات”، الذي يُصدر تقريراً سنوياً عن “حالة المغرب”، وكذلك “المعهد المغربي لتحليل السياسات”.4

من آليات مواجهة المشروع الإخواني تضامن وسائل الإعلام والقنوات الفضائية والهيئات الثقافية والتعلمية لتقديم مشروع بديل عوضاً عن مشروع تيار الإسلام السياسي، لأنّه بوجود فراغ سوف يسهل الاختراق مرة أخرى

4- موريتانيا: من خلال “مركز تكوين العلماء”، توغل الإخوان في المساجد والجمعيات الخيرية، وأنشأ التنظيم جامعة عبد الله ياسين، التي يديرها القيادي الإخواني محمد الحسن الددو، وتوغلوا في المجتمع من خلال جمعية “المستقبل للدعوة والتربية والثقافة”، وصحيفتي السراج والأخبار، وبعض النقابات والهيئات، حتى صدرت قرارات من الحكومة الموريتانية بتجريم هذه النشاطات.

5- الاختراق بالفتوى: وإذا أخذنا نموذجاً لاختراق المجال العام، نجد اختراق الإخوان للخطاب الإفتائي، حيث استغلال الفتوى للتأليب على الأنظمة المستقرة، وهي الفتاوى التي بلغت نسبة مرتفعة، وتعمدت التشكيك الدائم في الحكومات العربية والإسلامية، التي تعارض المشروع الإخواني؛ باتهامها بالخيانة، وموالاة الأعداء، وعدم الأمانة في مراعاة مصالح وأحوال الشعوب، وذلك بهدف إسقاط هذه الحكومات وتشويهها، ومن خلال أفرع الجماعة الشرعية في الدول العربية والأوربية والأفريقية؛ استغلت الجماعة القضية الفلسطينية، باعتبارها قضيتها الأولى التي تعتمد عليها الجماعة للتقارب مع الشعوب الإسلامية من ناحية، وإحراج الحكومات العربية من ناحية أخرى، من خلال الظهور باعتبارها المدافع الوحيد عن القضية الفلسطينية، وهي أيضاً بوابة لاستغلال مشاعر الأمّة للنفاذ إلى عقلها؛ لتنفيذ الأجندة الإخوانية.

من خلال “مركز تكوين العلماء” توغل الإخوان في المساجد والجمعيات الخيرية الموريتانية

 وظهرت كثافة الفتاوى الإخوانية المرتبطة بالقضايا السياسية لجماعة الإخوان، لاختراق المجتمع؛ ببيان أنّ الجماعة هي الجديرة بالمرجعية الشرعية في العلوم الدينية، من خلال إطلاق الجماعة لفتاوى يغلب عليها الاجتهاد وادعاء مواكبة العصر، كوسيلة للتأكيد أنّها الأعلم والأكثر اجتهاداً من المؤسسات الإفتائية الرسمية، ممّا يمكنها من كسب ثقة الشعوب الإسلامية، وتكون هي المُصدّرة للعلم الشرعي، وكان النشاط الأبرز في هذا الإطار من نصيب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مع نشاط أفرعه المختلفة مثل: المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ولجنة الفتوى في ألمانيا.

ولو أخذنا دولة مثل موريتانيا كنموذج، نجد أنّ المجلس الأعلى للفتوى والمظالم، وهو المجلس الإفتائي الرسمي للدولة، يعيد الفتاوى القديمة، ولا يهتم بمواكبة الأحداث الجارية والمستجدات الفقهية، ممّا دفع العديد من المستفتين إلى متابعة  فتاوى دعاة الإخوان، مثل “محمد الحسن الددو”، و”محفوظ ولد الوالد”، و”أبو حفص الموريتاني”، فسهل اختراق المجتمع من هذه الثغرة.5

آليات المواجهة

1- قيام المؤسسات الدينية -لا سيّما الأزهر الشريف في مصر- بدوره المنوط به في سد فراغ هذه التيارات، بمواجهتها وتفكيك خطابها أوّلاً، ثم بعد ذلك بتجديد الخطاب الديني بغرس قيم التعاون والمساواة والانفتاح، وقبول الآخر، ونبذ الكراهية والعنف.

2- الوعي التام بطبيعة مشروع الإخوان وفكرهم ومنهجهم، وأنّه أفكار قبل أن يكون أشخاصاً وتنظيمات، وأنّ هذا الفكر يتبدل ويتغير ويتلون ويمارس التقية من أجل النفاذ والتمكين، ومن ثمّ كانت الحاجة ماسّة لوجوب نشر الكتب والدراسات والخطب والمؤتمرات للوقوف على الخطوط العامة للمشروع الإخواني، وأماكن تواجده، وكيفية تغلغله واختراقه وخطورته، وعدم الاكتفاء بالمواجهة الأمنية، لأنّ البعد الأمني لا يناقش أفكاراً، ولا يبدد رؤى، ولا يفكك خطاباً.

3- تضامن وسائل الإعلام والقنوات الفضائية والهيئات الثقافية والتعلمية لتقديم مشروع بديل، عوضاً عن مشروع تيار الإسلام السياسي، لأنّه بوجود فراغ سوف يسهل الاختراق مرة أخرى.

4- تفنيد الزعم القائل إنّ مشروع الإخوان هو البديل للتنظيمات الجهادية، وبيان أنّ مشروع الدولة الوطنية هو البديل، بما يحويه من قيم التسامح والعدل والوسطية من ناحية، ومن ناحية أخرى إظهار أنّ حركة الإخوان والحركات الجهادية -وإن ظهرت متناقضة ومتصارعة- إلا أنّه ينظمها خيط واحد، ومرجعية واحدة.

حسين القاضي : كاتب وباحث مصري 

المصدر : حفريات 

——————————

هوامش:

1- وكالة الأنباء الأردنية (بترا) 26/ 6/ 2022م.

2- سيد قطب، معالم في الطريق القاهرة: مكتبة وهبة، ص 19.

3- أحمد محمد الشحي، مواطن الاختراق في الدول المستهدفة، جريدة البيان، 16/ 3/ 2020م.

4- منتصر حمادة،  ماذا تعرف عن الخريطة الإخوانية في المغرب، موقع حفريات.

5- حسين القاضي، دراسة في الحقل الإفتائي للإسلامويين ودلالاته في عالم متغير، مركز المسبار للدراسات، 7 مارس 2022.

زر الذهاب إلى الأعلى