مقبرة الغزاة

 

نفذ الرئيس الأميركي جو بادين- الديمقراطي، ما سبق وتوصل إليه الرئيس المهزوم دونالد ترامب- الجمهوري، اتفاق الدوحة في 29 شباط 2020، مع حركة طالبان مما يدلل على أن الرحيل الأميركي من أفغانستان سياسة أميركية متفق عليها من قبل الحزبين، حصيلة عشرين عاماً من الاحتلال والخسائر البشرية والمالية، وحصيلة رؤية سياسية أمنية تستهدف تحقيق أهداف أميركية في منطقة شرق ووسط آسيا، ولها تأثيرها على مجمل المشهد السياسي العالمي.

في الحرب العالمية الثانية تحالفت الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتي لمواجهة دول المحور الثلاثة: ألمانيا وإيطاليا واليابان، ولما تحقق النصر لدول الحلفاء الأربعة: أميركا والاتحاد السوفيتي وفرنسا وبريطانيا، تحول الصراع والتنافس الدولي بين المعسكرين: الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة، والاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي.

وطوال الحرب البادرة بين المعسكرين حتى سنة 1990 عملت واشنطن ومن معها على دعم أحزاب التيار الإسلامي السياسي وبلدانها، وقوته وتبنته حتى تحقق لها ما تريد بهزيمة الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفيتي، خاصة بعد أن تورطت موسكو في أوحال أفغانستان وتحول هذا البلد ليكون عنواناً للمواجهة بين السوفيت والإسلام السياسي والمسلمين.

ومنذ أحداث أيلول 2001، وعمليات القاعدة على أرض الولايات المتحدة وضد منشآتها، تحول الاهتمام الأميركي نحو مواجهة التيار السياسي الإسلامي الاكثر تشدداً الذي مثلته القاعدة وداعش، وسعت واشنطن للتفاهم مع كل من إيران والإخوان المسلمين، ونتيجة ذلك تعزز دور إيران في العراق واليمن وسوريا ولبنان، وتعزز دور الإخوان المسلمين لدى العديد من البلدان العربية، بل وصلوا إلى موقع السلطة لدى بعضها، وقيادة حركاتها السياسية لدى البعض الآخر.

ما تسعى له واشنطن الآن، وما تعمل لأجله وبتخطيط وتحريض أدوات المستعمرة الإسرائيلية وأجهزتها، قيام معسكرين متنافسين لدى العالم الإسلامي أولها شيعي بإدارة إيران وثانيهما سني بإدارة أفغانستان المحاطة بستة دول وسط آسيا: طاجكستان، أوزبكستان، تركمانستان من الشمال، وباكستان من الجنوب، والصين من الشرق وإيران من الغرب، وما يسعيان لترويجه خارج حدود كل منهما.

لن تسلم هذه المنطقة من الصراعات المبرمجة المخطط لها في أعقاب الانسحاب الأميركي لصالح طالبان، وهي تستهدف الصين كمنافس اقتصادي للولايات المتحدة وتضعه في سلم أولوياتها للمواجهة، لعل التنافس التصادمي المتوقع بين أفغانستان السنية وإيران الشيعية سيترك أثره على الصين وتبعاته داخل حدودها، مما يُضعف الصين ويستنزفها وهو المطلوب أميركياً، واشنطن بانسحابها من أفغانستان ستتخلص من استنزاف متواصل لقدراتها المالية والعسكرية والبشرية، وستعمل على صيد أكثر من هدف بضربة واحدة، وبقرار سياسي أمني عنوانه الرحيل عن أفغانستان وانسحابها منها.

كما حصل للسوفيت حصل للأميركيين في أفغانستان أقل أو أكثر ولكن النتيجة أن الاحتلال والسيطرة على شعب آخر نهايته الهزيمة والاندحار، وهذا ما يجب أن تفهمه المستعمرة الإسرائيلية التي نجحت إلى الآن في إضعاف الحركة السياسية الفلسطينية بسبب الانقسام بين فتح وحماس، وتمزيق أرض وشعب فلسطين، بين :1- مناطق 48، 2- القدس، 3- الضفة الفلسطينية، 4- قطاع غزة، وعملت على إضعاف الدول العربية وتمزيقها، ولكن نتيجة احتلالها ستكون لها الهزيمة والإندحار للمستعمرة برمتها.

بقلم : حمادة فراعنة

قد يعجبك ايضا