ثمن جهل فن السياسة العالي

بقلم : عمر حلمي الغول

من بديهيات السياسة وابداعاتها، وفنها قدرة اية قيادة سياسية في الازمات والصراعات بمستوياتها المختلفة الداخلية والخارجية، البحث الدائم عن الحلقة المركزية في الصراع، والتقاطها، والتعامل معها وفق موازين القوى في اللحظة السياسية المحددة، وتدوير الزوايا ارتباطا بتغير صناع القرار وشروط الصراع، والابتعاد عن فرضية العدالة، دون التخلي عنها، أو تغييبها، ولكن العدالة لوحدها في عالم يفتقد لها، ويموج بالتحولات الجيوسياسية وصراع الأقطاب، لا يكفي، وبالتالي تنحو القيادات للتعامل مع محددات الواقع، كي تتمكن من تجنب وتفادي مضاعفة الخسائر في الجانب السياسي / العسكري والقانوني والاقتصادي المالي والارواح.

كما ان لعبة السياسة في لحظات بعينها لا تحتمل خيار الانتظار، والمماطلة والتسويف بالنسبة للطرف الضعيف في الصراعات المسلحة، وعليه بقدر ما يستطيع من تحسين شروط التفاوض مع الأعداء، وانتزاع ما يمكن انتزاعه من إنجازات، بقدر ما تفرض عليه إدارة الصراع التنبه لأية تحديثات في لوحة المواجهة، والتركيز على قراءة خلفيات صانع القرار في الطرف المقابل، بالتلازم مع القوى الإقليمية والدولية المساندة والداعمة له، وبذات المستوى الإمكانيات والقدرات الذاتية، والوضع الناجم عن الصراع، والقوى المؤيدة والمساندة للطرف الضعيف، ليتمكن من وضع تقدير حكيم ومسؤول والخروج باقل الخسائر.

ما حدث أول أمس الثلاثاء 18 اذار مارس الحالي من هجوم إسرائيلي وحشي إبادوي على قطاع غزة، كان الأكثر هولا وفظاعة ونازية خلال الشهور ال18 الماضية، وجاء نتاج جهل إدارة قيادة حركة حماس ومن يدور في فلكها من قوى فن السياسة، وعدم التقاط اللحظة المناسبة في المساومة بين الذهاب للمرحلة الثانية، وبين تمديد المرحلة الأولى زائد، وبالتالي بعدما ان علمت ونشر على الملأ عن تحفظ إسرائيل على مفاوضاتها مع ادم بولر، وتراجع ستيف ويتكوف عن مقترحه السابق، وتساوقه مع اشتراطات نتنياهو وأركان حكومته، وفي ظل اطلاق الرئيس ترمب تصريحاته المتكررة عن الجحيم الذي سيحدثه، ان لم يتم تسليم الرهائن، كان عليها ان تعيد النظر في تشددها بشأن الافراج عن عدد الرهائن الإسرائيليين وخاصة من حملة الجنسية الأميركية، لتفادي المجازر الوحشية التي أدمت قلب الشعب الفلسطيني، والتي كان ينتظرها نتنياهو من السماء، ليعيد دوامة الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، ويقطع الطريق على الصراع مع اركان الدولة العميقة والمعارضة وذوي الرهائن الإسرائيليين، ويحافظ على أهدافه وائتلافه الحاكم، واستعادة بن غفير لتمرير الموازنة قبل التصويت عليها يوم الاثنين القادم.

وبعد مجازر يوم الثلاثاء السوداء، أول أمس، خرج ممثلو حركة حماس على الفضائيات ليعلنوا عن المرونة الزائدة، وأنكم مستعدون للتفاوض دون شروط مسبقة، كما صرح طاهر النونو واسامة حمدان وخليل الحية، ليس هذا فحسب، بل ان الحية أعلن صراحة، ان حماس ستفرج عن 4 جثامين اليوم الخميس 20 اذار / مارس، وعن 6 رهائن احياء يوم السبت القادم 22 اذار / مارس الحالي. أي انه كان بإمكان الحية ومحمد السنوار وغيرهم من قيادة حركة حماس حقن الدماء الفلسطينية، وقطع الطريق على خطة نتنياهو سموتريتش وايال زمير، ومن خلفهم الرئيس ترمب الذي هدد بجهنم عشرين مرة، رغم انه ادعى حرصه على تحقيق السلام، ولكنه لم يكن يقصد السلام على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، بل أمد إسرائيل بكل ما يزيدها غطرسة ونازية. باختصار اكدت قيادة حماس انها لم تتعلم من دروس الإبادة الجماعية، ولا يبدو انها بوارد التعلم. واسقطت من ايديها ورقة الرهائن الأهم، والان تلهث قيادتها خلف نتنياهو وإدارة ترمب لاستجدائهم وبلا ثمن.
وهنا لا اريد ان اتحدث عن الخطيئة الكبرى في ذهاب قيادة حماس الى “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين اول / أكتوبر 2023، وجهلهم في قراءة موازين القوى، ولا اريد ان اذهب بعيدا في استنتاجاتي بشأن الفكرة من حيث المبدأ، وخلفياتها غير البرئية، وأيضا عدم استعداد قيادة فرع الاخوان المسلمين بان تدير قيادة منظمة التحرير ملف المفاوضات، وذهبتم الى سياسة الاستعراض والتشبث بالبقاء في محوطة الامارة الانقلابية، ولم تستجيبوا لنداء العقل والمنطق والمصلحة الذاتية الخاصة بحركة حماس والوطنية، عبر السماح حتى اللحظة الراهنة بولاية منظمة التحرير والدولة والحكومة على قطاع غزة، وتكاملتم مع إسرائيل في ذات الهدف المتناقض مع وحدة ومصالح الشعب العليا. وللحدبث بقية بهذا الشأن.

زر الذهاب إلى الأعلى