مخيم الهول .. جيل داعش الجديد .. وخطر الاستقطاب

وكالة وطن 24 الاخبارية : بات المخيم اليوم بيئة خصبة لإعادة إنتاج التطرف بعد سقوط تنظيم داعش في العراق وسوريا عام 2017، حيث تختلط العوامل الاجتماعية والنفسية والاقتصادية مع غياب الرقابة الدولية، لتخلق ظروفًا مواتية لتجنيد جيل جديد من المتشددين. وتُشكل أقسامه الثلاثة، ولا سيما قسم “المهاجرات”، مساحات مغلقة تنشط فيها شبكات أيديولوجية تديرها نساء مواليات لتنظيم داعش، يمارسن فيها عمليات غسل دماغ، وتجنيد، وفرض قواعد متشددة على الحياة اليومية.

 مخيم الهول

يقع مخيم الهول في شمال شرق سوريا، وقد أُنشئ عام 1991 لإيواء اللاجئين الهاربين من حرب الخليج. ومع الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، شهد المخيم زيادة كبيرة في أعداد الوافدين. أُغلق المخيم في عام 2013، لكنه أُعيد فتحه في 2016 لاستقبال الفارين من مناطق سيطرة تنظيم داعش. وبعد سقوط آخر معاقل التنظيم في عام 2019، تم نقل المقاتلين إلى سجون قوات سوريا الديمقراطية، بينما نُقلت عائلاتهم إلى مخيم الهول.

يؤوي المخيم حالياً قرابة 40,000 شخص من 42 جنسية مختلفة. يشكّل الأطفال والشباب النسبة الأكبر من السكان؛ إذ إن 62% منهم دون سن الثامنة عشرة، و44% دون سن الثانية عشرة. يتوزع المخيم إلى ثلاث مناطق رئيسية: منطقة للسوريين، وأخرى للعراقيين، وثالثة تُعرف بقسم “المهاجرين”، وتشمل أفراداً من دول أوروبية وآسيوية، ويُعد القسم الأخطر في المخيم. رغم أن الغالبية من النساء والأطفال، إلا أن وجود مقاتلين سابقين في داعش ومؤيدين للتنظيم يساهم في جعل المخيم بيئة مثالية لانتشار الفكر المتشدد وعمليات التجنيد والتطرف. تُشرف على إدارة المخيم قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، بدعم من التحالف الدولي.

اقرأ/ي أيضا : نساء داعش.. رحم التنظيم الإرهابي وولادة قذائف النار

 العوامل المساهمة في التطرف داخل مخيم الهول

مخيم الهول، الذي كان في البداية مركزًا لإيواء النازحين، تحول إلى بيئة خصبة للتطرف الأيديولوجي بسبب تضافر عدة عوامل اجتماعية، اقتصادية، ونفسية.

  1. الظروف المعيشية الصعبة كعامل ميسر للتطرف

يعاني سكان المخيم من ظروف قاسية تشمل نقصًا حادًا في الموارد الأساسية، مثل المياه الصالحة للشرب، الطعام الكافي، والخدمات الصحية، ما يعزز حالة من اليأس. تساهم الكثافة السكانية المرتفعة في زيادة التوتر والعنف، مما يؤثر بشكل خاص على الفئات الأكثر ضعفًا مثل الأطفال والشباب. ومع غياب برامج تعليمية أو تأهيلية فعالة، تصبح هذه البيئة مناسبة لتغلغل الفكر المتطرف. بسبب هذه الظروف القاسية، يرى البعض أن المخيم يُشكل “قنبلة موقوتة”، وهو توصيف تؤكده دانا سترول، الموظفة السابقة في البنتاغون، التي وصفته بأنه واحد من أكثر الأماكن بؤسًا على وجه الأرض.

2.الشبكات الأيديولوجية المنظمة

تستمر بعض النساء المواليات لتنظيم داعش في ممارسة نفوذهن من خلال إنشاء شبكات سرية داخل المخيم. تستخدم هذه الشبكات العنف والترهيب لفرض ولاء أيديولوجي على السكان، مستهدفة بشكل خاص النساء والأطفال. هذه الشبكات لا تقتصر على الحفاظ على الولاء، بل تركز على نشر الفكر المتطرف والتجنيد .

  1. الصدمات النفسية والعزلة الاجتماعية

تعد البيئة النفسية للأطفال في المخيم بيئة خصبة لتشكيل مشاعر الكراهية نتيجة للصدمات المستمرة مثل فقدان الأقارب، وانعدام الأمان، والتعرض المباشر للعنف . تساهم هذه الصدمات النفسية في اضطرابات مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، القلق المزمن، والاكتئاب، مما يؤدي إلى ضعف القدرة على التفكير النقدي وبناء علاقات اجتماعية صحية، وبالتالي يسهل استقطاب هؤلاء الأطفال إلى الفكر المتطرف. في بعض الحالات، تؤدي هذه الصدمات إلى مشاعر عدائية تجاه “الآخر”، وهو ما تستغله الجماعات المتطرفة في عمليات التجنيد.

  1. الهشاشة الاقتصادية كدافع إضافي للتطرف

يعيش سكان المخيم في حالة من الفقر، ويعانون من قلة فرص العمل، مما يزيد من حالة اليأس الاقتصادي. يستغل المتعاطفون مع تنظيم داعش هذه الظروف عبر تقديم حوافز مالية مقابل الولاء، مستهدفين الفئات الضعيفة مثل النساء والشباب. هذه الحوافز تُعزز التبعية الاقتصادية وتساهم في خلق شبكة من العلاقات التي تسهم في استمرار نفوذ الجماعات المتطرفة داخل المخيم. كما يعزز الوضع الاقتصادي المزري من عملية الاستقطاب الأيديولوجي ويحفز الأفراد على الانخراط في التطرف.

  1. تخلي المجتمع الدولي وتأثيره على التطرف

رفض العديد من الدول استعادة مواطنيها من المخيم يترك هؤلاء الأفراد في حالة من الغموض القانوني والفراغ القضائي، ما يساهم في تعزيز مشاعر العزلة والرفض بين سكان المخيم. هذا التهميش يزيد من الشعور بالظلم ويغذي مشاعر معادية للغرب، مما يسهل استغلال هذه المشاعر من قبل الجماعات المتطرفة في عمليات التجنيد والتعبئة الفكرية.

التعرض للأيديولوجيا المتطرفة

يمثل الحضور المتجذر لأيديولوجيا تنظيم داعش داخل مخيم الهول عاملًا محوريًا في مسار تطرف الأطفال هناك. إذ يتأثر هؤلاء الصغار بقوة بمعتقدات ذويهم المتشبعة بالفكر المتشدد، ما يؤدي إلى إعادة إنتاج تصورات متطرفة للعالم من حولهم، وتوجيههم منذ نعومة أظفارهم إلى السير على خطى آبائهم في الولاء والانتماء الأيديولوجي.في بيئة معزولة ومغلقة لا توفر بدائل معرفية أو تعليمية، تصبح الدعاية المتطرفة هي الصوت الوحيد المسموع. يغيب التعليم الذي يمكن أن يُنمي مهارات التفكير النقدي أو يمنح الأطفال أدوات لرفض الأفكار الهدّامة، بينما تتسرب الأيديولوجيا عبر قنوات خفية ولكنها فعالة، لتصنع واقعًا يُقدَّم فيه التطرّف على أنه الخيار الطبيعي أو حتى القدري. وهكذا، يُعاد تشكيل وعي الطفل داخل عالم تُطبع فيه العنف والفكر الأحادي كأعمدة أساسية للحياة.

وفي هذا السياق، يُحذر الدكتور بسام القزويني، الخبير في الشؤون الأمنية والسياسية، من أن مخيم الهول “يُشبه شرارة قابلة للاشتعال في أي لحظة، مشيرًا إلى أن الفساد المتفشي في داخله، إلى جانب غياب الرقابة الدولية، يعززان مناخًا خصبًا لتفشي التطرف وتوسّعه خارج حدود المخيم.إن هذه العوامل مجتمعة تُنتج واقعًا معقدًا تتداخل فيه الطفولة مع الأيديولوجيا، وتُختزل فيه براءة النشأة في معادلات العداء والولاء والانتماء العقائدي. وبهذا تصبح عملية “التحرر الفكري” لاحقًا أشبه بمحاولة الخروج من متاهة معرفية ونفسية معقدة، مما يُبقي خطر التطرف حاضرًا ومترسخًا في الوعي الفردي والجمعي لأطفال المخيم.

 ما الذي يحدث في مخيم الهول؟

وفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في عام 2025، أعدته وحدة الدعم التحليلي التابعة لمجلس الأمن، يشهد مخيم الهول تطورًا خطيرًا. يوضح التقرير أن عناصر من تنظيم داعش تمكنوا من دخول المخيم مع شباب بهدف تدريبهم ليصبحوا مقاتلين في المستقبل. هذا يشير إلى أن المخيم أصبح بمثابة “مدرسة” لتعليم التطرف وتجنيد جيل جديد من المتشددين.من النقاط المثيرة للقلق بشكل خاص في التقرير هو إعادة تنشيط وحدة النساء التابعة لداعش “أنصار العفيفات”، التي استؤنفت أعمالها من جديد لجمع المعلومات الاستخباراتية، وتجنيد النساء الشابات، بالإضافة إلى إدارة تمويل العمليات. كما تم العثور على كميات ضخمة من الأسلحة والمواد المتفجرة ومعدات الاتصال داخل المخيم.

ويشير التقرير إلى أنه من الصعب الآن تقدير العدد الدقيق للمقاتلين الخطرين الموجودين في المخيم، على الرغم من أن عدد السكان يُقدر بحوالي 40,000 شخص. ومع دخول مقاتلين من الخارج إلى المخيم، أصبح الوضع أكثر تعقيدًا وخطورة من السابق. وبالتالي، تحول مخيم الهول إلى مركز رئيسي للتطرف، ويظل متأثرًا بعناصر مرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش. وهذا يوضح أن المخيم أصبح أكثر تهديدًا مقارنة بالفترات السابقة، خاصةً خلال فترة حكم حكومة الجولاني.وفقًا للتقرير، نفذت القوات الدولية عدة عمليات عسكرية أدت إلى القضاء على أكثر من 160 عنصرًا من داعش، بما في ذلك أبو علي الشيشاني، الذي كان يعتبر حلقة وصل بين مناطق الصحراء السورية وشبكات داعش في أوروبا.

 نشوء الجيل الرابع من تنظيم داعش

يُحذر خبراء الأمن من أن مخيم الهول أصبح أخطر بيئة لنشوء “الجيل الرابع” من تنظيم داعش، وهو جيل أكثر تطرفًا، يتوفر له مناخ مثالي للتكوين العقائدي والعسكري داخل المخيم. ويؤكد الخبير الأمني أحمد التميمي أن ولادة هذا الجيل مسألة وقت، وأن استمرار الوضع الحالي دون تدخل حاسم قد يحوله إلى مصدر جديد للتطرف في منطقة الشرق الأوسط.

في الوقت نفسه، أعاد تنظيم داعش تموضعه في عدة مناطق سورية مثل حمص ودير الزور والرقة، حيث استولى على كميات كبيرة من الأسلحة من مستودعات  تابعة للجيش، وذلك في أعقاب الأحداث المفصلية التي شهدتها البلاد في الثامن من ديسمبر2024، عندما سقط نظام بشار الأسد، مما عزز من قدراته العسكرية وزيّـد من خطر شن هجمات واسعة واستعادة الأراضي.إذا تمكن التنظيم من استعادة نفوذه، سيصبح مخيم الهول نقطة محورية لإعادة بناء “الخلافة”، حيث سيتم تجنيد النساء وتدريب الأطفال ليكونوا جزءًا من “جيل الجهاد القادم، وفقًا للرؤية التي طرحها أبو بكر البغدادي حول “أشبال الخلافة”، الذين سيتولّون استكمال مسيرة القتال وبث الرعب. هذا التهديد لا يقتصر على المخيم فقط بل يمتد إلى الأمن الإقليمي والدولي، ويجعل تأخير معالجة الوضع في المخيم أمرًا سياسيًا خطيرًا تكلفته عالية.

 نساء “داعش” في قسم المهاجرات بمخيم الهول

في قسم “المهاجرات” بمخيم الهول، تعيش آلاف النساء الأجنبيات المواليات لتنظيم داعش، واللاتي يواصلن الحفاظ على الفكر المتطرف من خلال التهديد والعنف وغسل الأدمغة الديني. تُدير هؤلاء النساء ما يُعرف بـ”الحسبة”، وهي شرطة أخلاقية تفرض معايير داعش على الأخريات وتعاقب المخالفات، كما حصل في إحدى الحالات، حيث قتلت أم ابنتها لرفضها ارتداء الحجاب.

تُعدّ هؤلاء النساء أطفالهن ليكونوا “الجيل القادم من الجهاديين”، باعتبارهم أداة لإحياء الخلافة. وتصف مديرة المخيم، جيهان حنان، الأطفال في هذا القسم بأنهم عدوانيون، يلعبون بالسيوف والبنادق ويقلدون مشاهد جهادية عنيفة، في تناقض صارخ مع ألعاب الطفولة الطبيعية. كما تُنظّم النساء زيجات مبكرة للفتيات بين 13 و16 عامًا بهدف إنجاب “أشبال الخلافة”، مما يزيد من احتمال نشوء خلايا داعشية جديدة.

ووفقًا لحنان، تُعبّر النساء عن إيمان راسخ بعودة داعش، ورغبتهن في العيش تحت “شريعة الله”، بينما يُنقل الفكر المتطرف داخل الأسر بشكل فعّال. العديد من هؤلاء النساء كنّ ضمن “لواء الخنساء”، شرطة داعش النسائية، ويواصلن ترسيخ التطرف ورفض أي توجه إصلاحي.

وفي مواجهة هذا التهديد، تعمل الإدارة الذاتية الكردية على نقل الأطفال الذين تجاوزوا 13 عامًا إلى مراكز إعادة التأهيل. لكنّ الخطر لا يزال قائمًا؛ إذ أشار الجنرال بول كالفرت، قائد التحالف الدولي ضد داعش، إلى أن النساء يواصلن تلقين الأطفال يوميًا ويهرّبْنَهم إلى صحراء البادية للتدريب، حيث يُعدّون كمقاتلين مستقبليين.

ينشأ الأطفال في بيئة مشبعة بالكراهية والدعاية المتطرفة، يغذّيها غياب الأب وتفسير الأمهات لذلك بأنه “عقاب من الكفار”، ما يُنتج جيلاً معاديًا للمجتمع الدولي. وقد وثّق صحفيون مظاهر هذا التطرف، حيث هدّد أطفالٌ المراسلين، واتهموهم بالكفر، وقلّدوا عمليات إعدام، ما يؤكد عمق تأثرهم بالفكر المتطرف، وضرورة التدخل العاجل من الدول الأم لإعادة تأهيلهم.

 الوضع الأمني في المخيم

يشهد مخيم الهول تدهورًا أمنيًا جعله من أخطر المخيمات عالميًا، نتيجة العنف الداخلي والتطرف. قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تواجه صعوبات كبيرة في فرض السيطرة بسبب الاكتظاظ ونقص الموارد.

تشهد المخيم أعمال عنف متكررة تقودها نساء متطرفات يقمن بدور “الشرطة الأخلاقية”، ويطبقن عقوبات قاسية مستوحاة من الشريعة. بين عامي 2022 و2023، تم تسجيل أكثر من 100 جريمة قتل، كثير منها تم بوحشية بهدف الترهيب.

يشكّل المخيم مركزًا حيويًا لخلايا داعش النائمة، التي يُعتقد أنها تتواصل مع شبكات خارجية للتخطيط لهجمات أو عمليات فرار. رغم الحملات الأمنية التي تنفذها “قسد”، تُهرّب الأسلحة باستمرار إلى داخله، ما يفاقم التهديد.

تتكرر الاضطرابات داخل المخيم، بما في ذلك احتجاجات منسّقة ضد عمليات الاعتقال، مما يؤكد – بحسب مديرة المخيم جيهان حنان – استمرار الاتصال بالعالم الخارجي وتنفيذ تعليمات من جهات خارجية.

 جهود قوات سوريا الديمقراطية لتعزيز الأمن في المخيم

تبذل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بالتعاون مع التحالف الدولي، جهودًا أمنية منتظمة في مخيم الهول للحد من نشاط خلايا تنظيم داعش. تشمل هذه الجهود تنفيذ مداهمات، مصادرة مواد محظورة، واعتقال محرضين، بالإضافة إلى تعزيز الإجراءات الأمنية مثل المراقبة، نقاط التفتيش، واستخدام الطائرات المسيّرة لمنع التهريب والدخول غير المشروع.كما تعمل قسد على عزل العناصر المتطرفة الأكثر خطورة وتقليل تأثيرهم على باقي سكان المخيم. بالتوازي، تتعاون مع منظمات دولية كالأمم المتحدة لتثبيت الاستقرار وتسريع عمليات إعادة التوطين. وتسعى عبر حملات تواصل إلى زيادة الضغط الدولي لتحمّل الدول مسؤولية مواطنيها داخل المخيم

 تداعيات مخيم الهول على الأمن الإقليمي

يمثّل مخيم الهول تحديًا أمنيًا متصاعدًا في المنطقة، إذ يُعد بيئة ملائمة لتفشي الفكر المتطرّف، لا سيما بين الأطفال الذين يفتقرون إلى التعليم والرعاية، مما يجعلهم فريسة سهلة للتجنيد من قبل الجماعات المسلحة. هذا الوضع يُنذر بظهور جيل جديد من المتطرفين، ويُهدد بإعادة إنتاج دوامة العنف والصراع في الشرق الأوسط.وتزداد خطورة المخيم نتيجة محاولات الهروب المتكررة وعودة بعض الفارين للانخراط مجددًا في صفوف تنظيم داعش أو جماعات مشابهة، مما يؤثر سلبًا على استقرار الدول المجاورة، خاصة العراق، في ظل هشاشة المؤسسات المحلية. كما تُفاقم محدودية قدرات القوى الأمنية المحلية وتراجع الدعم الدولي من هشاشة الوضع، في وقت يواجه فيه آلاف الأطفال في المخيم خطر التهميش بسبب فقدان الهوية القانونية، ما يزيد من احتمالات انجرافهم نحو التطرف ويشكّل تهديدًا مستقبليًا طويل الأمد للأمن الإقليمي.

 الآثار المترتبة على الأمن الأوروبي

يساهم غياب سياسة أوروبية موحدة لإعادة مواطني الدول الأوروبية من مخيم الهول في خلق ثغرات أمنية واضحة، حيث يُمكن أن يعود أفراد متطرفون إلى أوروبا دون رقابة فعّالة، مما يُعرقل جهود الدول في مكافحة الإرهاب ويزيد من صعوبة التصدي للتطرف العابر للحدود. وتُشير تقارير المفوضية الأوروبية إلى أن الأطفال العائدين يعانون من آثار نفسية عميقة وتبني بعض الأفكار المتطرفة، مما يجعل عملية اندماجهم الاجتماعي معقدة ويُشكّل تهديدًا مستقبليًا للأمن الداخلي.وفي سياق متصل، تحذّر الأمم المتحدة من أن استمرار احتجاز النساء والأطفال لفترات طويلة في ظروف غير قانونية يضعف التزام أوروبا بالقانون الدولي، ويؤثر سلبًا على مصداقيتها في التعاون الأمني العالمي. هذه التحديات تُبرز الحاجة إلى تبنّي سياسات أوروبية موحدة وفعّالة للتعامل مع تداعيات أزمة مخيم الهول بشكل يتماشى مع القيم الحقوقية ويعزز من أمن القارة على المدى البعيد.

مكافحة التطرف والإرهاب في مخيم الهول

في ضوء التهديدات المتزايدة التي يشكلها مخيم الهول على الأمنين الإقليمي والدولي، تبرز الحاجة إلى تدخلات منسقة تهدف إلى الحد من التطرف، خصوصًا بين النساء والأطفال. ووفقًا لليونيسف (2023)، فإن غياب بيئات آمنة وتعليمية يعزز من خطر نشوء جيل جديد من المتطرفين. لذا، فإن توفير التعليم، الدعم النفسي، والمراقبة الدولية يمثل ركيزة أساسية للوقاية.

تعزيز النظام القضائي المحلي يُعد عنصرًا محوريًا في جهود الاستقرار. ومن خلال الدعم الدولي، يمكن إنشاء محاكم مؤقتة لمحاكمة المرتبطين بداعش بطريقة عادلة وشفافة، كما أوصت مجموعة الأزمات الدولية (2022)، ما يساهم في إعادة بناء الثقة بسيادة القانون داخل المناطق الخارجة من الصراع.

وفي السياق الأوروبي، تتطلب إعادة المواطنين من المخيم إلى بلدانهم برامج إعادة تأهيل شاملة وتفكيك السرديات المتطرفة. تُشير وكالة يوروبول (2024) إلى أهمية الإجراءات الوقائية، مثل الدعم النفسي والتعليم، للحد من انتقال الفكر المتطرف من المخيم إلى مجتمعات الاستقبال.

على المدى الطويل، يبقى تفكيك مخيم الهول تدريجيًا خطوة ضرورية، عبر دمج السكان في مجتمعات مستقرة تضمن الكرامة والعدالة. وتُعد إعادة التوطين، بحسب الأمم المتحدة، إجراءً إنسانيًا واستراتيجيًا لكسر دورة التطرف، شرط أن تتم بشكل آمن وطوعي.

ورغم الإجماع الدولي على أهمية الإعادة، تظل المخاوف الأمنية قائمة لدى بعض الدول. إلا أن الدراسات تؤكد أن التدخل المبكر، خاصة للأطفال، يحدّ بشكل ملموس من المخاطر المحتملة، مما يبرز أهمية الجمع بين الأمن والنهج الإنساني لتحقيق حل شامل ومستدام.

 تقييم وقراءة مستقبلية

تحوّل مخيم الهول من أزمة إنسانية مؤقتة إلى تحدٍّ أمني وهيكلي طويل الأمد، حيث يشكّل بيئة خصبة لاستمرار الفكر المتطرف، نتيجة تقاطع الانهيار الإنساني، والفراغ القانوني، والجمود الدولي. لم يعد المخيم مجرد انعكاس لعجز الدول عن احتواء تبعات الإرهاب، بل صار بحد ذاته منبعًا محتملاً لموجة جديدة من العنف الأيديولوجي.

ورغم الجهود التي تبذلها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) للحفاظ على الاستقرار داخل المخيم، فإن المسؤولية عن معالجته تتجاوز قدرات جهة واحدة، لا سيما إذا كانت غير حكومية. ويهدد غياب التزام دولي طويل الأمد بتدهور الأوضاع، ما يفرض ضرورة لتدخل منسّق يركّز على إعادة التوطين، العدالة، التأهيل النفسي والاجتماعي، ومكافحة التطرف، خاصة لدى الأطفال الذين يكبرون في فراغ تعليمي وأمني.

التحذيرات العراقية بشأن مصير الأطفال في المخيم تُعبّر عن القلق الإقليمي المتصاعد، في ظل استمرار تجاهل المجتمع الدولي لما يحدث، مما يساهم عمليًا في إعادة إنتاج التطرف. وهنا لا يمكن اختزال مكافحة الإرهاب في الحلول العسكرية فقط، بل يجب أن تشمل معالجة الأسباب الجذرية، كالتهميش وغياب العدالة والتعليم.

الاقتصار على ملاحقة الخلايا المتطرفة لا يكفي؛ المطلوب تفكيك البيئات الحاضنة للفكر المتطرف. وبالتالي، ينبغي النظر إلى المخيم كمساحة يمكن أن تُبنى فيها مقاربات وقائية تشمل التعليم ونزع التطرف وإعادة الإدماج، مع استعادة كرامة الإنسان.

الإبقاء على الوضع الحالي في مخيم الهول يعني الحفاظ على بيئة خصبة قد تُشكّل حاضنة للموجة التالية من الجهادية العالمية. في ظل غياب حلول دولية فعّالة، يُمكن أن يتحوّل المخيم إلى نقطة انطلاق لإعادة تنظيم الجماعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، التي لا تعتمد على المواجهات المباشرة، بل تستغل أجواء عدم الاستقرار، الإهمال، والفراغ السياسي. هذا الواقع، إلى جانب التوترات المتصاعدة في شمال سوريا والتهديدات المستمرة للمناطق الكردية، يُنذر بخطر تحوّل المخيم إلى قاعدة دائمة لتجديد التطرف وانتشاره.

بالتالي، يُمثل المخيم تهديدًا أمنيًا عالميًا مستترًا. تفادي تفجّره يستلزم تحركًا دوليًا حاسمًا يجمع بين الشجاعة السياسية، العمل الدبلوماسي، والاستثمار في أمن الإنسان. فإما أن يتحمّل المجتمع الدولي مسؤوليته ويضع أساسًا لحلّ شامل، أو أن يبقى صامتًا ويهيّئ الظروف لعودة التطرف والنزاع.

إن احتواء خطر “جيل داعش الجديد” في مخيم الهول يتطلّب مقاربة متعددة الأبعاد، ترتكز على تفكيك الشبكات النسوية المتطرفة داخل المخيم، توفير برامج فعالة لنزع التطرف وإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي، والتعجيل بعمليات الإعادة إلى الأوطان ضمن أطر قانونية تضمن المتابعة القضائية والاستخباراتية، بالتوازي مع دعم الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا لوجستيًا وأمنيًا.

إن معالجة ملف مخيم الهول لم تعد ترفًا سياسيًا أو قرارًا مؤجلًا، بل باتت ضرورة ملحّة تفرضها معادلة الأمن الإقليمي والدولي، خاصة في ظل تزايد المؤشرات على إمكانية استغلال التنظيم أو وكلائه لهذا المخيم كنقطة انطلاق جديدة في مشروعه العابر للحدود.

المصدر: المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات 

 

زر الذهاب إلى الأعلى