الإتفاق السري بين حماس وإسرائيل.
إنه حقاً كاللغز أو كالفزورة , فأحياناً العقل والمنطق لا يستوعبان ما يجري في الواقع , فكيف حماس تتبنى عملية القدس وفي نفس اليوم توافق إسرائيل على دعم حماس في غزة إقتصادياً ! وكيف إسرائيل تبارك بريطانيا في تصنيفها لحماس بالإرهابية (…) وفي نفس الوقت توافق على إدخال رواتب لموظفين حماس من خلال بيع السولار المدعوم ! وكيف إسرائيل تعاقب السلطة بسبب رواتب الشهداء والأسرى والجرحى , وفي نفس الوقت تسمح لقطر بدعم المؤسسات التابعة لحماس بشكل أو بآخر ! ولكن لمن يتابع بدقه ويواصل قرائة الخطة المرسومة , يعرف جيداً ما يدور خلف الكواليس وبعيداً عن وسائل الإعلام , ويعرف جيداً الإتفاق السري والغير مباشر بين حماس وإسرائيل .
إسرائيل تعرف جيداً أن حماس تسعى أن تستمر بحكم دولتها “غزة” وهذا الحكم يتطلب إتقصاد جيد , وقررت إسرائيل منح حماس في غزة إقتصاد جيد , وإسرائيل تعرف أيضاً أن حماس تريد إشعال الضفة الغربية من خلال تفعيل خلاياها النائمة هناك , بهدف سحب البساط من تحت السلطة , وأيضاً بهدف إظهار للرأي العام أن حماس لا زالت تقاوم بالتوازي مع إتفاق التسوية بينها وبين إسرائيل بغزة , ورغم أن إسرائيل تعرف ذلك إلا أنها تنسجم وتتناغم مع ذلك , لأن ما تخطط له حماس ينسجم مع افكار إسرائيل , وما تخطط له إسرائيل ينسجم مع افكار حماس , وكل هذا يتم خلف تصريحات كاذبة وشعارات مزيفة توحي بغير ما تم الإتفاق عليه سرا بين حماس وإسرائيل .
بإختصار إن التناقضات التي تحدث على أرض الواقع هي ليس تناقضات , ولكن التكتيك السياسي بين حماس وإسرائيل والذي يدار بشكل مبطن وسري وغير مباشر وسريع يوحي بذلك , ولكن ما يجري هو عبارة عن حالة تفاهم وتناغم وإنسجام بينهما , فكل طرف يلتقي مع الطرف الآخر في نفس الهدف , فإن إضعاف السلطة هو هدف مشترك بين حماس وإسرائيل , وعزل غزة عن الضفة كلياً هو هدف مشترك بين حماس وإسرائيل , ومن باب الإنصاف فالسبب هو ليس أن حماس تريد ذلك , بل هم أن حماس تريد غزة وإسرائيل لا تريد غزة , إسرائيل لا تريد غزة كي تتفرغ لتهويد الضفة والقدس , وحماس تريد غزة لأنها لا تمتلك إلا غزة , وقوتها تكمن في غزة , فحماس اليوم تفتقد للبعد الجغرافي والبعد الإقليمي , وحتى تفتقد للبعد الديني , خاصة بعد ما أصبحت حكومة في عام 2006م , فكل هذه الأحداث عبارة عن تفاهم سري بين حماس وإسرائيل , وهذا التفاهم لا يلغي العداء بين حماس وإسرائيل , بل هو عبارة عن أهداف ومصالح مشتركة هدفها إبعاد السلطة ومنظمة التحرير عن المشهد السياسي تدريجياً .
والسؤوال المهم في هذا المشهد المعقد , من الذي سيبطل التسوية بين حماس وإسرائيل ؟ الجواب هو “الخصم والشريك” الخصم الحقيقي لحماس في غزة والمنافس القوي حركة الجهاد الإسلامي , فهي تعارض كل إتفاقيات التسوية بين حماس وإسرائيل , سواء الإتفاقيات السرية أو العلنية , ضف على ذلك التيار السلفي الجهادي في غزة , وبعض الفصائل الصغيرة التي تعارض عملية التسوية بين حماس وإسرائيل , ولكنها ضعيفة لا تستطيع الرفض إلا في حالة تحالفها مع الحركة الأقوى وهي الجهاد الإسلامي , ولكن من المبكر الحديث عن نزاعات مسلحة في غزة بين حماس ومعارضيها بسبب الإتفاقيات السرية مع إسرائيل , والسبب هو أن عملية التسوية بين حماس وإسرائيل لم توقع على أوراق رسمية , ومن الممكن هدمها ببساطة , فإمكان حركة الجهاد الإسلامي أن تفتعل حرب في غزة خلال ساعات معدودة , ومن ثم ينتهي كل ما تم الإتفاق عليه بين حماس وإسرائيل , أو على الأقل يعودوا الى نقطة السفر ومن ثم يبدأ إتفاق جديد .
أما الشريك الذي بإمكانه أن يبطل إتفاقيات التسوية بين حماس وإسرائيل هو السلطة , ولكن هذا يتطلب أن تأتي السلطة الى غزة وتشارك حماس في الحكم , وبالتالي تصبح حماس ليس صاحبة القرار الأول في غزة , لأن الشراكة ستبدأ بتشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة كفاءات , ومن ثم سيتم دمج جميع المؤسسات الحكومية , ومن ثم ومع مرور الوقت سيتم دمج المنظومة السياسية والأمنية والإقتصادية والعسكرية في غزة , وهذا بحد ذاته سيقطع الطريق على حماس ويمنعها من الإنفراد بأي إتفاق تسوية مع إسرائيل سواء علنياً أو سرياً .