تقرير صادم .. “حرب الحبوب” بدأت من العراق وسوريا وقد تصل نتائجها مصر

 

 

يعتقد بعض المؤرخين أن الغزو المغولي عند احتلاله العراق عام 1258، دمر البنية التحتية للنظام الزراعي الذي حافظ على ازدهار بلاد الرافدين لألوف السنين، أي تلك المنطقة الممتدة من العراق إلى المناطق الشمالية الشرقية من سوريا.

أشارت الوثائق التاريخية إلى أن المنطقة التي تعد مهدا لأول حضارات كوكب الأرض، من طوفان نوح إلى حضارة بابل المعلقة، فخر التطور الزراعي في ذلك الوقت، حيث علقت الحدائق بتقنيات زراعية فريدة على الجدران والمصاطب، قد دخلت بعد قدوم المغول في حقبة مظلمة ظهرت فيها العديد من الأوبئة، منها الأوبئة الزراعية.

وعلى الرغم من رفض بعض المؤرخين نسب هذه الحقبة المظلمة من تاريخ البلاد إلى تدمير البنية التحتية الزراعية حيث نسبوها إلى الجفاف، لكن الشيء المؤكد هو أن هولاكو قد أحرق مكتبة بيت الحكمة الشهيرة، لأنه كان على علم بأن الدول أو المناطق التي تسودها الأزمات والمجاعة تسهل السيطرة عليها أكثر من تلك المستقرة.

“حرب جديدة” بدأت في العراق وسوريا فتيلها الحبوب

حذرت مصادر حكومية سورية المزارعين من استلام البذار الذي قدمته القوات الأمريكية في سوريا مشيرة إلى أنها “مصدر غير موثوق”، وأكدت التحليلات التي أجرتها مخابر وزارة الزراعة السورية في دمشق أن نسبة (النيماتودا) في البذور تصل إلى أكثر من 40%، وهي من المواد الخطيرة على الأراضي الزراعية، وتشكل وباء قد ينتشر إلى جميع الأراضي المحيطية بها، حيث سيكون الإنتاج في الموسم الأول ضعيف جداً وغير منتج لأربعة مواسم متتالية.

سجن “أبو غريب” الأمريكي كان بنك حبوب عراقي

أشارت بعض المصادر العراقية والعربية، ومنها مقال نشر للباحثة شذى خليل في موقع مركز “الروابط” للبحوث والدراسات الاستراتيجية إلى أن القوات الأمريكية عند دخولها العراق دمرت بعض المنشآت الحضارية غير المرتبطة الأعمال العسكرية، ومنها على سبيل المثال؛ مركز “أصول” لتربية وإنتاج الدواجن فرع سامراء، عمل المركز على تقديم البحوث العلمية المهمة الخاصة بالدواجن، بالإضافة إلى إنتاج اللقاحات التي يحتاجها أصحاب حقول الدواجن، كما دمر المركز النباتي لتربية وتسمين العجول.

والأهم من ذلك دمرت القوات الأمريكية مركز “أبو غريب” للبحوث الزراعية، والذي حولته إلى سجن أبو غريب الأمريكي سيء السمعة، حيث قام المركز سابقا بالأبحاث الزراعة وإرشاد الفلاحين وضم أيضا قسما للنخيل، إذ قام الخبراء آنذاك بإجراء تجارب على الجينات لفسائل النخيل النادرة لتتم زراعتها في عموم العراق، وقدم اللقاحات المضادة للأمراض الزراعية أيضا.

قد تكذب بعض وسائل الإعلام هذه المعلومات، خصوصا تلك المعارضة للحكومات في تلك الدول العربية، مثل تكذيب خبر حرق الحومات الأمركية لحقول القمح السورية، لكن يكفي التذكير بأن الأساس الذي قامت عليه حرب العراق، بالكامل، وهي ذريعة وجود أسلحة بيولوجية أو نووية، أثبت عدم صحتها باعترافات قيادات أمريكية، ويمكن التأكيد أن تعزيز الصرعات في المنطقة وخلق حالة عامة من عدم الاستقرار لدى المزارعين والحكومات وتدمير البنى التحتية، ساهمت بشكل مباشر ومؤكد بانتشار الآفات الزراعية وغيرها من المشكلات.

 

“صفقة تهريب” بنك الحبوب السورية أنقذت الاقتصاد الأمريكي

 

نقلت صحيفة “وايرد” الأميركية، معلومات يمكن وصفها بـ”الغريبة”، التي أكدت من خلالها حدوث “صفقة تهريب” للحبوب السورية في الفترة الممتدة من 2012 و2014، مبررة عملية التهريب بأنها لـ “وضع البذور في مكان آمن، بعيدا من الحرب (الحرب في سوريا) في دولة النرويج” وتحديدا في “قبو يوم القيامة”.

 

وأكد التقرير أن تلك البذور والتي أخذت من مركز البحوث الزراعية الدولي “إيكاردا” في سوريا بريف حلب هي من “أهم المحاصيل في المعمورة”، وأنها ذات “قيمة لا تقدر بثمن” تضمنت حوالي 116 ألف عينة، ووزعت منها سابقا 300 بذرة في لبنان والمغرب.

وكشفت عدة مصادر، منها منظمة “أورغانك كونسيومر الأميركية”، العثور على هذه العينات في حلب، وأكدت استفادة عدة دول من جودة القمح السوري، منها أمريكا، حيث “أنقذت هذه الأصناف المحسّنة القادمة من سوريا موسم الزراعة الأميركي، بعد جفاف شهدته البلاد عام 2018″، لكن دمشق اليوم بأمس الحاجة إلى حبوبها أيضا، حيث تسببت الحرب بتحولها من دولة مصدرة للحبوب إلى دولة مستوردة.

“أوبئة الحبوب”… حرب لا يستطيع الـ”ميتافيرس” إشباع جائع فيها

التطور الكبير في البرمجيات والحواسيب وعالم الـ”متافيرس” الكبير والواسع بحجم خيال مبتكريه، لا يستطع كل أدواته المتقدمة، ملء معدة خاوية واحدة لدى طفل جائع، ولا يمكن للإنترنت تقديم وإنتاج وجبة طعام صغيرة أو حبة قمح واحدة، وهو ما يعلمه الجميع، وكما هو الحال في واقع أزمة كورونا الحالية، حيث تحولت الكمامات البسيطة إلى تجارة كبيرة، فإن العلماء يؤكدون أن الزراعة التي تتربع على رأس أساسيات الحضارة الإنسانية، قد تتحول هي بدورها إلى تجارة كبيرة أيضا، ومنها تجارة الحبوب.

وكنتيجة لذلك، لا يمكن استبعاد منح بذور عقيمة أو حاملة لأوبئة، لضمان استمرارية عمليات التوريد، وبالعودة إلى المقارنة مع وباء فيروس كورونا، يكفي أن ننظر إلى جودة تلك “الربطة” الخاصة بالكمامة (التي تثبتها بالأذن) حيث تقطع بكل سهولة لضمان استمرارك بالشراء عزيزي المستهلك، فما بالك بالمخزون الاستراتيجي للدول من الحبوب، خصوصا في الدول التي يتربع فيها رغيف الخبز على رأس المائدة.

وباء آت “عاجلا أم آجلا” إلى الشرق الأوسط قد يصل مصر

بجميع الأحوال وبعيدا عن “نظريات المؤامرة”، التي قد لا تعجب البعض، إلا أن الخبراء يؤكدون أن هذه الأوبئة الزراعية، قد تنتقل أيضا عن طريق تصدير الحبوب (بما فيها عمليات منح الحبوب والهبات) وهو ما أكدته الأبحاث، وتشير الدراسات أيضا إلى أن مناسيب الأوبئة في الحبوب الأمريكية أكبر بكثير من تلك التي في الشرق الأوسط، ويعود ذلك إلى طبيعة مناخ المنطقة العربية والكثير من العوامل، لكن الأوضاع تغيرت بعد التقلبات المناخية التي بدأت تشهدها المنطقة.

أشار تحليل مقتبس من تقرير حمل عنوان “الجائحة العاقبة”، نشر بالنسخة الدولية من موقع “SciDev” المتخصص بأغراض التنمية، نشر العام الماضي بقلم لورا أوينجز، إلى وجود تحذيرات أطلقها خبراء أكدوا فيها وجود “وباء آت عاجلا أم آجلا” وأن “التجارة العالمية والزراعة الأحادية سيؤديان إلى أوبئة أمراض المحاصيل والتي تهدد أنظمة الغذاء العالمية”.

ونوه التقرير إلى أن آفة “صدأ ساق القمح” ما هي إلا مجرد مثال واحد على الآفات والأمراض النباتية التي يكافحها ​​المزارعون وخبراء الزراعة في جميع أنحاء العالم. مشرا إلى أنها “تهديد صامت للأمن الغذائي، وهي مسؤولة عن ما يصل إلى 40% من خسائر المحاصيل الغذائية العالمية، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة”.

وبين التقرير أن هذه الآفات على الرغم من أنها قد تنتقل عن طريق العوامل البيئية، إلا أنها “قد تنتشر أيضا إلى أماكن جديدة عبر التجارة العالمية والملاحة والنقل”.

ونوه التقرير إلى أن المحصول في أوغندا تحول بشكل مفاجئ من محصول جيد إلى “مجموعة متشابكة من السيقان السوداء والحبوب المنكمشة”، لكن هذه المشكلة قد تتحول إلى مشكلة عامة أيضا في الشرق الأوسط، على سبيل المثال واجهت الزراعة المصرية تحديا كبيرا عند انتشار دودة الحشد الخريفية أو حشرة جيش الخريف.

 

وتنبأ التقرير بأنه “سرعان ما تواجه حقول القمح في كينيا وإثيوبيا ومصر المصير نفسه. وتليها إيران إلى جانب الهند وباكستان ولبنان. ثم تُظهر العلامات في دول آسيا وأوروبا”.

“سباق تسلح تطوري” يدعم انتشار الآفات

وأشارت اختصاصية أمراض النبات من جامعة إكستر، هيلين فونز، لشبكة “ SciDev“، والتي أجرت بحثا نشر في مجلة “نيتشر فوود” العلمية، إلى وجود ظاهرة “سباق التسلح التطوري”، أي أن هذه الآفات الزراعية تتطور بسرعة كبرة وأن الدراسات أكدت أن الفطريات بشكل عام مثل “صدأ ساق القمح، تشكل أكبر تهديد للأمن الغذائي”.

 

تقول فونز: “هذا الجانب من حيويتهم (التطورية) يجعل التكهن بحركتهم أمرا صعب المنال”، أي أنه عند إدخال مصادر جديدة من البذار أو بذار تحمل مسببات الأمراض الفطرية، والتي تدخل أحيانا عن طريق أنظمة التجارة العالمية، فإنها تهاجم المحاصيل التي تفتقر إلى المناعة ضد هذه الأوبئة وتنتشر بشكل كبير.

وبدوره، نوه، آدم مارتن، عالِم البيئة من جامعة تورنتو، في تصريحات لشبكة “ SciDev” إلى أنه “عندما يشهد العالم صدمات أو اضطرابات كبيرة في الأنظمة العالمية للغذاء أو الاقتصاد، فإن ما نعرفه هو أن البلدان الأقل تقدما تتحمل وطأة الآثار السلبية بشكل أكبر”.

بغض النظر عن كل تلك البيانات والأفكار والتصريحات التي تندرج بمجملها تحت بند الفرضيات العلمية، لكن المؤكد هو أن الأمن الغذائي لأي دولة، عنصر خطير مرتبط بشكل مباشر بأنها القومي، حيث لا تستطيع جميع أنظمة التكنولوجيا المتقدمة أو الأسلحة الحديثة أو حتى أعتى الجيوش، الاستمرار إذا لم تحصن أمن مجتمعها الغذائي، وعلى الرغم من أن مقولة نابليون بونابرت “إن الجيوش تزحف على بطونها” ركزت على جانب واحد وهو الجانب العسكري، إلا أن المجتمعات أيضا تعيش على بطونها، وأي خلل في “المخزن الاستراتيجي لهذه البطون قد يشكل تهديدا حتميا” يجب الحذر منه وتجنبه.

 

 

 

قد يعجبك ايضا