دلالات إزالة اسم سيد قطب من أحد شوارع الأردن

وكالة وطن 24 الاخبارية : في خطوة رمزية تحمل أبعادًا سياسية وثقافية، قررت أمانة عمّان الكبرى، قبل أيام، تغيير اسم شارع “سيد قطب” في حي الشميساني بمنطقة العبدلي إلى “شارع الشهيد عبد الرزاق الدلابيح”، تخليداً لذكرى العقيد الذي استُشهد أثناء أداء الواجب في محافظة معان عام 2022. ويأتي هذا القرار في سياق مواجهة الدولة الأردنية مع جماعة الإخوان المسلمين، ويعكس توجهًا لإعادة صياغة الهوية الوطنية بعيدًا عن رموز الفكر المتطرف.

سيد قطب: الرمز الفكري لجماعة الإخوان المسلمين

يُعدّ سيد قطب (1906ـ 1966) أحد أبرز مُنظّري جماعة الإخوان المسلمين، فقد ساهمت كتاباته، مثل “معالم في الطريق” و”في ظلال القرآن”، في تشكيل الفكر الجهادي والتكفيري الذي تبنته الجماعة. دعا قطب إلى هدم الدولة “الجاهلية”، بحسب اعتقاده، وإقامة “المجتمع الإسلامي” من خلال الثورة المسلحة، وهي الرؤية التي أثرت في العديد من التنظيمات المتطرفة لاحقًا.

يُنظر إلى قطب باعتباره الأب الروحي للفكر الجهادي المعاصر، حيث قام في كتابه الأشهر “معالم في الطريق” بتقديم تصور شامل عن “المجتمع الجاهلي” الذي يجب تغييره بالقوة، وفي هذا السياق قدّم مفاهيم محورية مثل: الحاكمية لله، والتكفير المجتمعي، ووجوب الجهاد المسلح لإقامة الدولة الإسلامية. وقد استُخدمت هذه الأفكار لاحقًا كأساس نظري من قبل تنظيمات مثل “القاعدة” و”داعش”، واعتمدتها بعض الفصائل الجهادية في مبرراتها للعنف المسلح ضد الأنظمة القائمة.

المثير أنّ قطب لم يكن فقيهًا أو عالمًا شرعيًا تقليديًا، بل اعتمد على منهج تفسيري خاص، جمع فيه بين العاطفة الدينية والأدب السياسي، ممّا منح نصوصه تأثيرًا مزدوجًا بين الجمهور العام والنخب الحركية. وقد قضت محكمة مصرية بإعدامه عام 1966 بعد اتهامه بالتخطيط لقلب نظام الحكم، ليُصبح شهيدًا في نظر أنصاره، ورمزًا للفتنة الفكرية في نظر خصومه.

 ما دلالات القرار؟

الدلالة الأولى لهذا القرار تكمن في توقيته، إذ جاء وسط تحركات متزايدة من الحكومة الأردنية لتقليص نفوذ جماعة الإخوان المسلمين داخل المجتمع، سواء على مستوى العمل السياسي أو الخطاب الديني أو حتى الرموز الثقافية التي تحظى بشرعية رمزية.

وتُعدّ إزالة اسم سيد قطب، باعتباره مرجعًا مركزيًا في فكر الإخوان، خطوة رمزية في هذا السياق، تؤشر على انخراط الدولة في معركة طويلة الأمد مع “الإرث الإخواني” وليس فقط مع التنظيم السياسي.

الدلالة الثانية تتمثل في اختيار الاسم البديل، وهو “الشهيد عبد الرزاق الدلابيح”، أحد ضباط الأمن العام الذين قتلوا أثناء الاحتجاجات العنيفة في معان أواخر عام 2022. وقد فسّر كثيرون هذا التبديل بأنّه رسالة واضحة من الدولة مفادها أنّ الأمن والاستقرار وتضحيات رجال الدولة أولى بالتكريم من رموز إيديولوجية ارتبطت بالعنف والتحريض.

أمّا الدلالة الثالثة، فهي ذات بُعد اجتماعي وثقافي، فالمجتمع الأردني يعيش تحولات عميقة في وعيه تجاه التيارات الدينية، خصوصًا بعد أعوام من الصراع الإقليمي مع الجماعات المتطرفة، ومن ثم، فإنّ تغيير اسم الشارع يعكس محاولات الدولة لإعادة تشكيل الهوية الثقافية العامة للأردنيين بعيدًا عن رموز تحمل طابعًا تحريضيًا أو انقساميًا.

وقد علّق أحد أعضاء مجلس أمانة عمّان على القرار قائلًا: “نحن لا نستهدف أشخاصًا بعينهم، بل نعيد تقييم الأسماء التي لا تتماشى مع الرؤية الوطنية للدولة الأردنية الحديثة.” وهي إشارة إلى أنّ ما يحدث هو عملية مراجعة شاملة لرموز الشوارع والمؤسسات التي تحمل أسماء لها خلفيات إيديولوجية أو سياسية مثيرة للجدل.

 توسيع المواجهة

‎يرى الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية أحمد سلطان أنّ قرار إزالة اسم سيد قطب من أحد شوارع عمّان يأتي في سياق أوسع من المواجهة السياسية والأمنية بين الدولة الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين، خاصة في ظل التطورات الأخيرة المتعلقة بكشف خلية مسلحة عُرفت إعلاميًا بـ “خلية الصواريخ”.

‎ويقول سلطان في تصريح لـ (حفريات): إنّ “المواقف التي أبدتها الجماعة تجاه الأحداث الأخيرة اتسمت بعدم الشفافية، حيث لم تُظهر إدانة واضحة لمحاولة استهداف مواقع أمنية داخل المملكة، وكأنّها تتعامل مع الأمر بتجاهل أو بتبرير ضمني”، وهو ما أحرج الجماعة وجعلها في مواجهة مباشرة مع السلطات في وقت تمّر فيه البلاد بظروف حساسة أمنيًا وسياسيًا.

‎وحول مستقبل الجماعة، أوضح سلطان أنّ “الحكومة الأردنية لم تُعلن حتى الآن حظرًا رسميًا لحزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للإخوان في الأردن، لكنّ هناك مؤشرات واضحة على تشديد الرقابة على تحركات الحزب ومراجعة وضعه القانوني، خاصة في حال ثبت ارتباط كوادر أو قادة من الحزب بنشاطات تمسّ الأمن القومي أو تنخرط في العمل المسلح”.

‎وأضاف أنّ “أيّ قرار في هذا الاتجاه” قد يتطور ليشمل حلّ الحزب، وهو ما سيضع نوّابه البرلمانيين في موضع قانوني معقد، وربما يدفع نحو حلّ مجلس النواب برمّته إذا اقتضت الضرورة”. لكنّه أشار في الوقت ذاته إلى أنّ “هناك توجهين داخل الدولة الأردنية؛ أحدهما يدفع نحو اجتثاث كامل للجماعة وإنهاء حضورها المؤسسي، في حين يفضّل الآخر التفاهم معها ضمن ضوابط صارمة تضمن تحجيم دورها ومنعها من التأثير على الاستقرار الداخلي.”

 الأردن وجماعة الإخوان المسلمين: تاريخ من التوتر والتحول

‎تُعدّ العلاقة بين الدولة الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين من أكثر العلاقات تعقيدًا وتحوّلًا في تاريخ السياسة الأردنية الحديثة. فمنذ تأسيس الجماعة في الأردن عام 1946 حظيت بشرعية قانونية ووجود اجتماعي وسياسي فريد، وتمكنت من بناء شبكة قوية من المدارس والجمعيات الخيرية والنقابات، إلى جانب مشاركتها في الحياة البرلمانية في مراحل مختلفة. إلا أنّ هذه العلاقة مرت بمحطات متباينة بين التحالف والتصادم، تبعًا للظروف الإقليمية والداخلية.

في العقود الأولى غضّت الدولة الطرف عن النشاط الإخواني، بل اعتبرته في بعض الفترات حليفًا ضمنيًّا في مواجهة التيارات القومية واليسارية. لكن مع صعود تيارات الإسلام السياسي في المنطقة، خاصة بعد ثورات “الربيع العربي”، بدأت الدولة الأردنية تعيد تقييم علاقتها بالجماعة، وبرزت مخاوف حقيقية من طموحاتها السياسية ومحاولاتها للهيمنة على الخطاب الديني.

وبلغ التوتر ذروته في الأعوام الأخيرة، مع اتخاذ الحكومة سلسلة من الإجراءات لكبح تمدد الجماعة، من بينها:

ـ سحب الشرعية القانونية من التنظيم الأم عام 2015، والاعتراف بجماعة منشقة عنه.

ـ إغلاق مقارّ الجماعة في عدة محافظات بدعوى عدم قانونية نشاطها.

ـ تقييد مشاركتها السياسية ومراقبة خطابها الإعلامي والدعوي.

ويُشير محللون إلى أنّ الدولة تسعى عبر هذه الإجراءات إلى إعادة تعريف المجال الديني وضبطه ضمن مؤسسات الدولة، مثل وزارة الأوقاف ودائرة الإفتاء، وقطع الطريق على الجماعات التي تسعى لبناء “دولة داخل الدولة” عبر شبكة نفوذها.

‎في هذا السياق، فإنّ إزالة اسم سيد قطب، أحد أهم مرجعيات الإخوان، من شارع في عمّان، يُقرأ باعتباره حلقة جديدة في سياسة تفكيك رموز الجماعة، ليس فقط من حيث التنظيم، بل أيضًا من حيث التأثير الرمزي والثقافي. ومن الواضح أنّ العلاقة بين الطرفين لم تعد قائمة على “التعايش المرن”، بل تتجه نحو إقصاء تدريجي للجماعة ورموزها من المشهد العام، سواء عبر القوانين أو عبر الرموز والمعاني في الفضاء العام، مثل أسماء الشوارع.

المصدر: حفريات

بقلم الصحفية المصرية : رشا عمار

زر الذهاب إلى الأعلى