«الإخوان» وإسرائيل.. واللعبة المكشوفة

 

فى منتصف شهر سبتمبر الحالى جرى لقاء نادر ومهم بين الرئيس عبدالفتاح السيسى، ورئيس الوزراء الإسرائيلى نفتالى بينيت، فى مدينة شرم الشيخ، وهو اللقاء الذى شدّدت فيه مصر على مواقفها الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، داعية إلى دعم حل الدولتين، وإحياء محادثات السلام، وصولاً إلى تحقيق التسوية العادلة والاستقرار المنشود فى المنطقة.

ورغم أن الزيارة التى قام بها بينيت إلى مصر تكتسب أهمية خاصة، فإن مجريات تلك الزيارة ونتائجها لا تخرج عن الأسس التى وضعتها مصر، وكرّستها، وأظهرت الحرص الشديد عليها، فى ما يتعلق بمواقفها من القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطينى الشقيق.

لكن المنابر التابعة لتنظيم «الإخوان» لم تترك الفرصة تذهب من دون أن تغمز من قناة السياسة المصرية، وأن تسعى إلى التشكيك فى موقف القاهرة إزاء الملف الفلسطينى، معتمدة لغة مشكّكة ومُغرضة ومستندة إلى حُجج زائفة ومعلومات مضللة.

والواقع أنه يحق لأى طرف سياسى أن ينتقد ممارسات سياسية ما تقوم بها إحدى الحكومات فى مجال العلاقات الخارجية، لكن ما لا يمكن فهمه فى هذا الصدد أن تنظيم «الإخوان» حين وصل إلى الحكم فى مصر قام بممارسات فى ملف العلاقات مع إسرائيل عكست دفئاً وتعاوناً أكبر بكثير مما يقوم أتباعه بانتقاده الآن.

ففى مارس من عام 2012، على سبيل المثال، صدر تصريح لافت عن السفير الإسرائيلى السابق لدى مصر إسحاق ليفانون، وهو التصريح الذى قال فيه بوضوح إنه لا يخشى من وصول الإسلاميين إلى حكم مصر، بل إنه رأى أن «الإخوان» لن يتخلوا عن «معاهدة السلام»، وأنهم برهنوا على كونهم «مرنين».

لقد حكم الرئيس «الإخوانى» محمد مرسى مصر سنة، هيمن خلالها «الإخوان» على جميع الأطر السياسية فى البلاد، ولم تتأثر العلاقات المصرية – الإسرائيلية سلباً.

وفى هذا الصدد، فنحن نذكر أن الرئيس مرسى أرسل رسالة إلى نظيره الإسرائيلى آنذاك شمعون بيريس، يصفه فيها بـ«الصديق الوفى»، قبل أن يتمنى لدولة إسرائيل «التقدم والرفاه».

يختلف ذلك الموقف الودى وهذا الخطاب الدافئ بكل تأكيد مع ما كان الرئيس مرسى يقوله حين كان يعارض نظام الرئيس مبارك؛ ففى عام 2010، كان «مرسى» يخطب فى مؤتمر جماهيرى بإحدى المحافظات، بوصفه قيادياً فى تنظيم «الإخوان»، حينما وصف اليهود بأنهم «مصاصو دماء»، و«أحفاد القردة والخنازير»، بل طالب أيضاً المستمعين بأن «يُرضعوا أبناءهم كراهية اليهود»، ويحافظوا على «استمرار الكراهية» إزاءهم.

لقد تنصل «مرسى» من تصريحاته تلك بالطبع، لكنه أيضاً أضاف إلى ذلك الكثير مما يمكن فعله من أجل طمأنة الغرب بأن «الإخوان المسلمين» فى حكم مصر لن يكونوا أبداً أقل حرصاً على دعم «أمن إسرائيل» وحمايته، سواء من خلال الحدود المشتركة فى سيناء، أو عبر استخدام نفوذهم حيال القرار الذى يمكن أن تتّخذه «حماس» فى شأن إدارتها للصراع الفلسطينى – الإسرائيلى.

ومن ذلك أن أظهر الرئيس مرسى حرصه فى أكثر من محفل على التأكيد على التزام مصر بجميع المعاهدات والمواثيق الدولية، ولم يصدر عنه أبداً ما يعكر صفو العلاقات المصرية – الإسرائيلية، باستثناء طبعاً مسارعته بسحب السفير المصرى من إسرائيل حين شنّت تلك الأخيرة عدوانها على غزة، فى أعقاب وصول «الإخوان» إلى الحكم.

فرغم أن «مرسى» فعل فى هذا الصدد ما سبق أن فعله «مبارك» أكثر من مرة، حين كان يسحب سفيره احتجاجاً على عدوان على الفلسطينيين أو اللبنانيين، فإن الرئيس «الإخوانى» تدخل بشكل فعّال للغاية لإيقاف العدوان عبر وساطة بين إسرائيل و«حماس»، وهى الوساطة التى عرفنا لاحقاً أنها تمخّضت عن «لجم» الحركة مقابل وقف العدوان.

وفى أعقاب هذا الدور تلقى «مرسى» رسالة تهنئة من أوباما بخصوص دوره فى «حل الأزمة»، كما تلقى «إشادة» نادرة من نتنياهو لمسارعته إلى الوساطة الناجحة التى حققت الهدنة.

وفى أبريل 2013، نشرت وسائل إعلام إسرائيلية تصريحاً نادراً ومهماً لرئيس أركان الجيش الإسرائيلى الجنرال بينى جانتس، يؤكد فيه أن التنسيق الأمنى بين تل أبيب والقاهرة «تحسّن كثيراً» منذ وصول «الإخوان» إلى الحكم فى مصر.

كما أوضح «جانتس»، فى هذا التصريح، أن نتائج عملية «عامود السحاب» التى تدّخل «مرسى» لإيقافها، كانت «مفاجئة وفى صالح التعاون الإسرائيلى – المصرى، خاصة بعد الهدوء الذى تسبّبت فيه على الحدود».

الأمر نفسه أكده دانى دانون، نائب وزير الدفاع الإسرائيلى، الذى وصف العلاقات الأمنية المصرية – الإسرائيلية فى فترة حكم «الإخوان» بـ«الأفضل» بين الجانبين، أما عاموس جلعاد، المسئول الرفيع بالوزارة نفسها، فقد نقلت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» قوله آنذاك إن: «التزام مصر باتفاق السلام معنا تحسّن وصار أكثر كثافة».

تبدو المسألة فى غاية الوضوح إذاً.. لقد تلاعب «الإخوان» بعواطف المصريين والعرب والمسلمين، وقدّموا أنفسهم لشعوبهم باعتبارهم «مجاهدين ومناضلين ضد الصهيونية وإسرائيل واليهود.. وأحياناً اليهودية»، وضغطوا على الأنظمة القائمة آنذاك، باعتبارها «عميلة، ومستسلمة، وضعيفة، ومهزومة»، ثم وصلوا إلى الحكم، ليتنصلوا من كل ما قالوه سابقاً، وليعلنوا احترامهم لكل «المعاهدات القائمة»، بشكل استحقوا عليه دعم الأمريكيين وإشادة الإسرائيليين، لنجاحهم فى الالتزام «بأمن إسرائيل» وإدامة «السلام» الذى طالما أدانوه وندّدوا به، ووصفوه بـ«المذلة والاستسلام».

غريب جداً أمر هذا التنظيم؛ يقول دائماً ما لا يفعل، ويأمر الناس بـ«البر» وينسى نفسه.

الكاتب / ياسر عبد العزيز

قد يعجبك ايضا