كتب الدكتور تيسير عبد الله من قطاع غزة..

كتب الدكتور تيسير عبد الله من قطاع غزة..

بعض قيادات الفنادق في الخارج تقارن ما يجري في غزة اليوم. بتضحيات الثورة الجزائرية الني قدمت المليون ونصف المليون شهيد من أجل التحرير.

والحقيقية أن هدف هذه المقارنة لئيم وخبيث. وهو هدف وحيد. لتبرير العدد الكبير من الضحايا الغزيين الذي وصل إلى ما يقارب من 25 ألفًا. في ظل عدم توفير أي دعم أو مساندة لهم. ولعلي لا أبالغ إذا ما قلت أن مثل هذه المقارنة تبرر للاحتلال المضي في المزيد من قتل الأبرياء على اعتبار أن عمليات التحرير يلزمها عدد كبير من الضحايا والقتلى وهذا طبيعي ومبرر حسب زعمه.

وهي مقارنة خاطئة ولا تقوم على أسس علمية وتاريخية صحيحة لأنها تتجاهل خصوصية كل ثورة ومرحلة:

▪1. فالثورة الجزائرية قامت من أجل هدف وحيد بسقف عالٍ ومرتفع ولم تساوم عليه. وهو التحرير الكامل. بينما السقف الذي تحارب من أجله الفصائل سقف متدني جداً. ولا يصل إلى مطلب التحرير.

▪2. الثورة الجزائرية ثورة مستمرة تراكمية لم تتوقف طوال الثماني سنوات (من 1954 إلى 1962). بينما ما يجري في غزة متقطع وفق الظروف والمراحل والمكاسب. وكل معركة أو حرب أو تصعيد يبدأ من جديد. ومن نقطة الصفر.

▪3. قامت الثورة الجزائرية على كامل التراب الوطني الجزائري في ظل وحدة وطنية شاملة بين جميع القيادات. وبين القيادات وقطاعات الشعب العريضة. بينما ما يجري الآن عندنا يجري في ظل تمزق كامل في الوحدة الوطنية. وانقسام بين الضفة وغزة.

▪4. لم تكن هناك فروق اجتماعية أو طبقية بين القادة والشعب في الثورة الجزائرية. فجميعهم يعيشون في أماكن واحدة. ويلبسون القشبية في الجبال. ويأكلون من طبق واحد. أما في الحالة الفلسطينية فإن الأمر مختلف كثيراً بالطبع.

▪5. الظروف السياسية والتاريخية للثورة الجزائرية كانت تتم في ظل الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفيتي التي كانت تسمح بالتمتع باستقلالية القرار في الجزائر وغيرها من الدول. أما الظروف الحالية فإنه عصر أحادي القطبية الذي تسيطر عليه أميركا وعصر يتطلب قدرة كبيرة على فهم التوازنات السياسية وقراءتها. ومسارات التحرك الدقيق. الذي يؤدي أي خطأ في فهمها إلى التسبب بكوارث ومآسي كبيرة تصل إلى الاستفراد بالمدنيين وتنفيذ إبادة جماعية على مرأى ومسمع من العالم الذي يشاهد ويتفرج ولا يستطيع أن يتدخل أو يمنع. فتصبح أعداد الشهداء مجرد أرقام لنشرات الأخبار الصباحية.

▪6. تحمل قادة الثورة الجزائرية بعد انتصارها نتائج الأضرار التي أصابت الشعب. خاصة عائلات الشهداء والمجاهدين. فعملوا على تعويضهم بقدر ما يستطيعون. فأسسوا لهم وزارة تحمل اسمهم. تكفلت بعائلاتهم وقدمت لهم العون والمساعدة والتسهيلات في جميع مناحي الحياة. أما عندنا فتهدر كرامة الإنسان. ولا يوجد تقدير للتضحيات خارج إطار الحزبية الضيقة. بل إن البعض لا يخجل أن يقول أن مسؤولية معاناة الناس تقع على الأونروا وليست عليهم.

ولذلك. فإن أي مقارنة حالية مع أعداد الشهداء الجزائريين أو غيرهم من ضحايا الدول المختلفة هو هدف لئيم. لا يقصد إلى تقديم الواجب اتجاه هذه التضحيات. ولكن للمطالبة ولتبرير المزيد من الدماء والقتل المجاني الذي لا يخلو من منح شهادئة تبرئة للاحتلال من جرائمه.

الحرب على غزة