عن تغطية “الجزيرة” لأحداث فلسطين

الكاتب –  عبد الغني سلامة

أي متابع لتغطية الجزيرة لما يجري في فلسطين، سيلمس توجهات معينة أقل ما يقال عنها إنها مثيرة للريبة:
أولاً: تحرص الجزيرة في كل مرة على استضافة متحدثين إسرائيليين (قادة عسكريين وسياسيين وإعلاميين..)، ومن خلالهم تمنح إسرائيل الفرصة لتقديم روايتها، ومبرراتها، وطرح القضية من وجهة نظر صهيونية، والمسألة هنا ليست جريمة تطبيع وحسب، بل هي مساعدة للعدو في تسويق مزاعمه وأطروحاته، وتقريبها للرأي العام العربي والعالمي، فضلاً عن تمريرها للمصطلحات والمفاهيم الإسرائيلية وترسيخها في الوعي الجمعي.. وهنا قد يقول قائل إن المشاهد ذكي ويميز الحق من الباطل.. وهذا طرح في منتهى السذاجة، فالأغلبية الساحقة من الجمهور معلوماتهم عن القضية الفلسطينية سطحية، وعندما يستمعون لوجهة النظر الإسرائيلية من المرجح أن يتقبلوها، حتى ولو جزئياً، فضلاً عن تأثير ذلك المتراكم على العقل الباطن على المدى البعيد؛ أي باتجاه أنسنة العدو وجعله مألوفاً ومقبولاً وتفهم دوافعه وجرائمه.
وثانياً، عند تناولها المسألة من الجانب الفلسطيني فإنها تحرص وبشكل واضح ومبالغ فيه على إبراز دور حماس (وأحياناً الجهاد)، حتى لو لم يكن لها دور حقيقي ومؤثر في الحدث.. المهم عندها إيصال رسالة للمشاهد أنَّ حماس هي مركز الحدث، وهي المقاومة، وهي الحاضرة والمؤثرة.. تنقل هذه الرسالة من خلال الشريط الإخباري أسفل الشاشة، ومن خلال ترديد تصريحات زعماء حماس المقيمين في قطر وتركيا، البعيدين عن مركز الحدث، ومن خلال ترتيب أولويات إيراد الخبر ونقل التصريحات، فأقوال وتصريحات قادة المنظمة والسلطة تأتي بعد حماس، وبشكل يتعمد التقليل من أهميتها، ومن خلال إقحام مصطلحات منفصلة عن الواقع مثل “وحدة الساحات”، و”غرفة العمليات”، و”فرض معادلات جديدة”، و”تغيير قواعد اللعبة” التي دأب الناطقون الرسميون باسم فصائل المقاومة على ترديدها.
كما تحرص الجزيرة وبطريقة مواربة على تجاهل دور فتح وبقية الفصائل وحتى دور الجماهير في صناعة الحدث، فإن لم تستطع تغييبهم فهي على الأقل تورد الخبر بطريقة الرسائل الضمنية، أو من خلال تشتيت الانتباه، فمثلاً يكون الحدث في نابلس أو جنين فتحيل المقاومة إلى نموذج البطولة والصمود في غزة، ودور صواريخ القسام المتواري والمنتظَر، والذي سيقلب المشهد ويغير قواعد الاشتباك ومعادلات الصراع.. إلخ.
وهو أسلوب يعتمد قطع تسلسل الأحداث وعزلها عن سياقها، من خلال صناعة المقارنات والتأثير في بنية السرد، بحيث تعطي للأحداث معنى مختلفاً، وهذا يترتب عليه اغتراب فعلي بين الحدث وطريقة سرده، ما يعكس دوافع السارد وأهدافه السياسية.
وتتضح الصورة أكثر في البرامج الإخبارية (على غرار “ما خفي أعظم”)،

قد يعجبك ايضا