” حماس” وتشكيل حاضنة للتربية التخوينية في فلسطين

 

تستمر أبواق الفتنة والتي تُطلقها مرجعيات مختلفة ومتعددة بالظهور وبث سمومها واحقادها، حتى بات التخوين ظاهرة تثير استياء واشمئزاز المجتمع الفلسطيني، ويمكن لمس مدى ممارسة هذا الخطاب التخويني واستسهال استخدام اللغة التخوينية على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي.

على مرّ التاريخ الفلسطيني الحديث، لم يكن هناك بيئة حاضنة لهذه التربية التخوينية، إلا بعد بروز جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، وتحديداً بعد الإعلان الفعلي عن تأسيس فرعها الفلسطيني المتمثل في حركة حم_اس في العام 1987، حيث كان خطابها يعتمد على مبدأ القسمة والرفض ونبذ وتخوين وتكفير أي خطاب آخر.

ومنذ ذلك الحين، وحماس تؤسس لهذا الفكر والنهج، وبعد عشرون عاماً، قامت بانقلابها الأسود وحكمت قطاع غزة بالحديد والنار والدم، بعد أن قامت عبر قياداتها وما أسمتهم بالمفتين التابعين لها، بتكفير عناصر الأجهزة الأمنية وقادة حركة فتح، كتمهيد لتنفيذ إعدامات ميدانية طالت قرابة ألف من خيرة أبناء ومناضلي حركة فتح.

ومن خلال ممارسة حماس المُكثّفة للخطاب التكفيري والتخويني يوماً بعد يوم، نمت بذرة اللغة التخوينية حتى أصبحت تُستخدم من قبل بعض القوى المعارضة، وأصحاب الأجندات الخاصة والمشبوهة، كما حصل بعد قضية مقتل الناشط نزار بنات، إذ قامت بعض الجهات بتحويل الغضب المبرّر إزاء حادثة مقتله على يد بعض عناصر الأجهزة الأمنية، إلى منحى مغاير تماماً، لا علاقة له بالقضية نفسها، وإنما إلى فرصة لاستخدام لغة التخوين ضد الرئيس الفلسطيني والقيادة الفلسطينية، وحركة فتح .

إن المنشأ الطبيعي أن يُتابع الإنجاز الوطني على الأرض باستخدامات سياسية مختلفة، ولكن إذا لم يستند الاستخدام السياسي على حواس سياسية سليمة، فإن ذلك من شانه أن يحوّل الإنجاز إلى أداة تدمير سياسية.
و إذا ما طبّقنا مفهومنا هذا على عملية نفق الحرية البطولية، بوصفها إنجاز وطني كبير، يُشكّل فرصة تاريخية على صعيد النضال الوطني ومراكمة الإنجازات السياسية، وعلى صعيد المصالحة الداخلية أيضاً. فإن هذه العملية البطولية يُفترض أن تُشكّل قنبلة تُعجّل بإنضاج وإنجاز صفقة تبادل الأسرى. إضافة إلى أن خطاب الرئيس محمود عباس يوم 24 أيلول/ سبتمبر 2021 على هامش الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والذي كان ذي طابع تصعيدي وتحذيري، أمهل فيه الاحتلال الإسرائيلي عاماً واحداً للانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، وهدّد باللجوء إلى محكمة العدل الدولية لاتخاذ قرار حول شرعية وجود الاحتلال على أرض دولة فلسطين ، يأتي في سياق الاستخدام السياسي والمراكمة على هذا الإنجاز العظيم.

يستوجب المنطق الوطني السليم، ان يتماشى مساري العمل السياسي الدولي، وتحريك ملف صفقة الأسرى في خطين متوازيين، إلا ان ما قامت به حركة حماس من هجوم تحريضي منظّم ضد الرئيس عباس قبيل خطابه في الأمم المتحدة، شكّل ضربة تدميرية للجهود الوطنية ولفرص إنجاز المصالحة وتساوقاً لا لُبس فيه مع الكيان الإسرائيلي، وهدية مجانية له. ومن الجدير ذكره بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت كان قد صرّح في مقابلة له مع صحيفة “نيويورك تايمز”، بتاريخ 24 آب/أغسطس 2021 بقوله أن ” حكومته لن تدخل في مفاوضات الفلسطينيين ولن تُشكّل دولة فلسطينية، إضافة إلى حقيقة أن محادثات السلام لا يمكن حدوثها لأن قيادة الفلسطينيين ممزقة وبلا دفة “. ما يدلّل على أن تصرفات ح/ماس هذه ليست سوى نقاط قوة تضاف لصالح الكيان الإسرائيلي.

وخلاصة القول، أن التخوين في فلسطين اليوم، الذي يتجلى فيه خطاب الكراهية .. لا يختلف عن “التكفير” الذي تنتهجه حركة حم/اس كامتداد لنهج التكفيريين، وإذا لم يتم التعامل بحسم مع هذا السوس الذي ينخر الجسم الوطني، فإن المشروع الوطني سيتدمر ذاتياً.

فادي أبوبكر
كاتب وباحث فلسطيني

قد يعجبك ايضا