كأس العرب للتطبيع!

 

ملكات جمال وسجاد أحمر وصلوات تلمودية واتفاقيات اقتصادية وترتيبات دبلوماسية وتفاهمات عسكرية ومباريات ودية ومعارض فلكلورية وبرامج تعليمية ومناهج توافقية وعروض علمية وخطط دفاعية وصلوات تشاركية وأرباح فلكية، كلها لن تساوي دمعة أم مكلومة في القدس، خسرت زوجها وقتل أبناؤها وأسر أحفادها وهدم منزلها واقتحمت خيمتها وشرد أقاربها! أُمٌّ اعتادت على الاستغاثة بالآباء المؤسسين لدول الأشقاء الذين اعتدنا على أصالتهم، لكنهم ذهبوا نحو التطبيع مع الاحتلال الصهيوني.

هل من المعقول في الوقت الذي يقتحم الاحتلال قرانا ويصادر أرضنا ويسرق ماءنا ويغتصب ترابنا أن يفرد بعض إخوتنا السجاد الأحمر لشلومو وبينيت للترحاب والتبجيل؟

كأس العرب لكرة القدم الملتئم بالدوحة، صاحبه كأس للعرب للتطبيع مع المحتل، ليسارع من خلاله بعض أبناء جلدتنا لتعجيل الجهد التطبيعي عبر خطوات متصاعدة وزيارات مكوكية وترتيبات برتوكولية، ليتحوَّل بالمقابل الشعب العربي في مبارياته الكروية في الدوحة نحو السياسة ليعبر مع كل مباراة عن شجونه تجاه فلسطين، فيتشح بعلمها ويهتف باسمها.

لا بد من وقفة مع النفس، ومراجعة للتاريخ، ودراسة مستفيضة لدروسه وتبعاته، ولا بد من التوقف عند هذه الخطوات التطبيعية والتراجع عنها خاصة وأنها لن تمهد لعلاقات مشتركة فحسب، بل ستشجع الاحتلال على الإمعان في تعسفه، فلا يكاد أن يقضي نهار أو ليل إلا وشهد اقتحامات واعتقالات ومصادرات واستهداف للبشر والشجر والحجر في قرانا ومدننا العربية الفلسطينية.

لا بد من قراءة نبض الشارع العربي واستشعار مواقفه ودراسة شجونه وهمومه وتقدير الموقف العام من التطبيع. ولعل ما يدور على شبكات الإعلام الاجتماعي ليشكل نبضاً متصاعداً وتوجهاً واضحاً رافضاً للتطبيع.

لست مع الإساءة والشتم والقذف، بل مع النصيحة والحديث الهادئ والحكيم بين الإخوة، علّ البعض منهم يعود عن التطبيع ويعيد ترتيبات أولوياته لكي يبقى إلى جانب الوجه الناصع من التاريخ.

هذه دعوة هادئة ومتعقّلة ومحبة لأشقائنا جميعاً كي يقيّموا مواقفهم ومصالحهم وخطواتهم، فلو أن البعض صمت لا يعني أنه راض ٍ ولو أن التقارير الأمنية وقراءات الرأي العام أكدت القبول والحبور بمبدأ التطبيع فإن ذلك ما هو إلا قراءة مضللة للواقع تغذيها ماكنات إعلامية للاحتلال.

إننا نعي كشعب فلسطيني محتل أن التاريخ لن يرواح مكانه، وأن ظلم اليوم ليس معادلة مستدامة، وأن الأيام دول، ومواقف نتداولها بيننا فيبزغ فجر ويستتر ليل. ولو أن هذا الأمر لم يسكن وجداننا لاندثرت هويتنا وضاع الشعب الفلسطيني وتحوّل إلى هندي أحمر في وطنه.

لذلك استدامة الاحتلال ليس قدراً ولا قراراً إلهياً وأن الظلم إلى زوال لا محالة، وان ثباتنا وصمودنا في أرضنا على ركام منازلنا إنما يشكل للفلسطينيين وازعاً ودافعاً مهماً لاستدامة النضال حتى زوال الاحتلال.

لذا فإن المتمعن في مشهد الثبات الفلسطيني وقصة البقاء لا بد وأن يتّعظ ويبدّل موقفه وإلا أضحى كأس العرب للتطبيع كأساً للتركيع؟ فهل ناديت لتسمع حياً؟.

 

بقلم: د. صبري صيدم

 

قد يعجبك ايضا