حرب الشرق الأوسط الجديد

عمر حلمي الغول
كانت حرب حزيران / يونيو 1967 منعطفا خطيرا، حملت في طياتها تحولا استراتيجيا على مجرى الصراع العربي الصهيو أميركي، ورغم حدوث تداعيات إيجابية تمثلت بانطلاقة الظاهرة العلنية للثورة الفلسطينية المعاصرة، وما اعقبها من إنجازات وطنية، بيد انها لم تتعمد بصعود وتطور حركة التحرر العربية، بل العكس صحيح، رغم صمود الدولة الوطنية. ومنذ ذلك التاريخ والغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة يضع السيناريوهات المتعاقبة لتعميق الهزيمة العربية، وتفتيت وحدة شعوب الامة، وطمس وتصفية أي بارقة أمل في نهوض المشروع القومي العربي، وعمل بخطى حثيثة على تبديد ظاهرة المقاومة الفلسطينية، ووأد الحركة الوطنية اللبنانية ونموذج القيادة الفلسطينية اللبنانية المشتركة، التي مثلت حتى العام 1982 طليعة حركة التحرر الشعبية. ثم لاحقت الانتفاضة الكبرى الفلسطينية 1987 /1993، التي سعت من خلالها الثورة الفلسطينية الى احداث اختراق في معادلة الصراع، الا ان التطورات الإقليمية وخاصة الحرب العراقية الإيرانية 1980 وحرب الخليج الثانية 1990 ومن ثم احتلال العراق 2003 حالت دون ذلك، وقصم ظهر النظام العربي الرسمي، وغيبت الجبهة الشرقية تماما. ثم جاء ما يسمى “الربيع العربي” 2011 لاستكمال هدف الغرب الرأسمالي، الذي افشلته مؤقتا ثورة حزيران/ يونيو 2013 المصرية.
مجددا تردد كثيرا خلال الأيام العشرة الماضية من حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة تشرين اول / أكتوبر 2023 استخدام مفهوم “تغيير معالم الشرق الأوسط” القائم، وخلق “شرق أوسط جديد”، وهذه الرؤية استمرارا للمخطط الاستراتيجي الصهيو اميركي، والذي دشن عمليا بعد حرب تشرين اول / أكتوبر 1973، حيث بدأت اول عمليات التطبيع الرسمي العربي الإسرائيلي بين مصر والدولة العبرية عام 1978/1979، ثم انهيار نظام شاه ايران وحلول نظام الملالي في 1979، واعقبته حربي الخليج الأولى والثانية وتداعياتها المذكورة انفا. ثم عقد مؤتمر مدريد نهاية تشرين اول/ أكتوبر 1991، وما تلاه من ابرام اتفاقات أوسلو 1993الفلسطيني الاسرائيلي، ووادي عربة 1994الاردني الإسرائيلي.
وقال نتنياهو يوم الاثنين الموافق التاسع من الشهر الحالي “ان الحرب على قطاع غزة ستسغرق وقتا” وتوعد “بتغيير منطقة الشرق الأوسط.” لاستكمال المشروع القديم الجديد في خلق بنية عربية تكرست لبناتها عام 2020 مع دخول عمليات التطبيع “الابراهيمي” بين إسرائيل وعدد من الدول العربية تجسيدا لصفقة القرن الترامبية، التي هدفت الى الانقلاب على مبادرة السلام العربية، وتصفية القضية الفلسطينية. وبالتوافق مع ذلك صادقت الكنيست الإسرائيلي على قانون “القومية الأساس للدولة العبرية في تموز / يوليو 2018، والذي سبقه اعتراف إدارة ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ثم نقل السفارة الأميركية من تل ابب الى القدس في أيار / مايو 2018، وما تلا ذلك من خطوات دراماتيكية لبناء شرق أوسط تتسيد فيه دولة إسرائيل على الوطن العربي أولا والشرق الأوسط الكبير، الذي يمتد حتى باكستان أفغانستان ويشمل ايران وتركيا ثانيا.
الان التحول الذي تعمل عليه الإدارة الأميركية والغرب الرأسمالي والدولة الإسرائيلية يشمل أولا عملية تطهير عرقي واسعة لقطاع غزة وتدمير كلي له، وفقا لما صرحت به القيادات الإسرائيلية إعادة القطاع لخمسين عاما للخلف؛ ثانيا تصفية القضية الفلسطينية وخيار حل الدولتين، الذي قال عنه الرئيس بايدن اول امس السبت الموافق 14 تشرين اول / أكتوبر الحالي ” ليس مطروحا الان”؛ ثالثا توسيع دائرة التطبيع العربي الإسرائيلي؛ رابعا تقليم اظافر بقايا الدولة الوطنية، واسكات اية أصوات عربية ممانعة باستخدام سياسة العصا والجزرة؛ خامسا سحق اية دولة او حركة او حزب يمكن ان يشارك في الحرب الدائرة الان على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية؛ سادسا العمل على استنساخ النموذج الطالباني في فلسطين وفق شروط الواقع المعطي لتبديد النظام السياسي الفلسطيني ومرجعيته الوطنية م.ت.ف.
وهناك معطيات وحقائق ذات صلة بالحرب واهداف أخرى ليس الوقت لذكرها الان لاسباب مختلفة تتعلق بوحدة الشعب والأرض والمشروع الوطني الفلسطيني وديمومة منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني.
لكن ما يجب الانتباه له، ان سيناريوهات الولايات المتحدة والغرب الرأسمالي وإسرائيل ليست قدرا على الشعب الفلسطيني ولا على شعوب الامة العربية، لا سيما وان الحرب الدموية التي تقودها إدارة بايدن باداتها الوظيفية الإسرائيلية تحمل في طياتها الكثير من التداعيات الجيو سياسية الاستراتيجية المتعاكسة مع سيناريوهاتهم الخطيرة. لا سيما وان دولتهم الوظيفية اللقيطة ضربت في مقتل، حيث كشف ظهرها، كما لم يكشف من قبل، وهو ما يؤكد ان المعادلات قد ترتد عليهم.

قد يعجبك ايضا