صورة الضحك الذي يشبه البكاء

العرب اللندنية – فاروق يوسف/كاتب عراقي

شعب غزة صار عليه أن يلعب دور الدرع البشري الذي تختفي وراءه حركة حماس أمّا زعماؤها وبالأخص مشعل وهنية فإنهما يديران تلك الحرب بتقنية البلاي ستيشن وهما يضحكان حين يطلعان على الأخبار.

ضحك على الذقون

في الصورة يبدو خالد مشعل وإسماعيل هنية وهما يضحكان بعمق. الأول هو الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس والثاني هو الرئيس الحالي للمكتب نفسه. إنهما يضحكان! ما العجب؟ ألا يحق لهما أن يضحكا مثل البشر العاديين؟

لا شيء يجمعهما بالبشر العاديين الذين لا يسمح أفق نفوذهم في أن يفعلوا ما فعله الضاحكان بغزة وأهلها. سيُقال مجازا إنه ضحك كالبكاء على حد قول أبوالطيب. ولكنهما يسخران في لحظة نشوة من ردود أفعال البشر الذين تضرروا من جراء أفعالهما ولا يزالون خاضعين لهما ومطيعين لأوامرهما. أولئك البشر الذين يرون حقيقة ثرواتهما وكيفية إدارتهما للحروب التي تم افتعالها مع إسرائيل من غير أن يشككوا بنزاهتهما ووطنيتهما أو على الأقل تديّنهما.

ألا يحق لهما أن يضحكا وهما اللذان لم يتعرضا للحظة مساءلة واحدة بعد أن جرا غزة وأهلها غير مرة إلى الحضيض بسبب ردود الفعل الإسرائيلية التي تتصف بالجنون والعنف المفرط والمبالغة في إلحاق الضرر بالسكان المدنيين والمنشآت الخدمية المدنية؟

فعلا ذلك غير مرة وخرجا منتصرين فيما كانت غزة تئن في الظلام، تدفن موتاها وتسعى إلى أن تتستر على أنين جرحاها لترقص مذبوحة في أعراس حماس المنتصرة، لا لشيء إلا لأن زعيميها المقيمين في الدوحة واللذين يديران الحروب من هناك لا يزالان حيّين ولم تطلهما آلة الموت الإسرائيلية.

سأصدق أنهما يضحكان من إسرائيل. ذلك سبب معقول للضحك كما يبدو لهما. لقد أفقداها أعصابها ودفعاها إلى شن حرب مدمرة على شعب فقير، بائس وأعزل لا يملك القدرة على الدفاع عن نفسه. كم مرة خاض شعب غزة الحرب بصدور عارية فيما يتنقل مجاهدو حماس بين الأزقة خوفا من أن يرصدهم الطيران الإسرائيلي؟ صار على شعب غزة أن يلعب دور الدرع البشري الذي تختفي وراءه حركة حماس، أما زعماؤها وبالأخص مشعل وهنية فإنهما يديران تلك الحرب بتقنية البلاي ستيشن وهما يضحكان حين يطلعان على الأخبار وردود الأفعال في الصحف العالمية وبالأخص الإسرائيلية منها.

لقد نجحا غير مرة في تحويل إسرائيل إلى موضوع صحافي فيما لا أحد يفكر في شعب غزة. أليس إنجازا أن تقوم صواريخ حماس التي لم تقتل إسرائيليا إلا عن طريق الخطأ بما لم تفعله إسرائيل لصالحها حين لا يتعاطف العالم مع شعب مسكين جعلت منه حركة إخوانية سلّما للوصول إلى غايتها غير الوطنية؟ لطالما نظر المجتمع الدولي إلى شعب غزة باعتباره حالة إنسانية وليس كونه شعبا يعاني من حصارين. حصار إسرائيل من الخارج وحصار حركة حماس في الداخل.

خدمت حركة حماس إسرائيل. إن كانت إيران تعتبرها من محور المقاومة فليس لأنها أضرت بإسرائيل بل لأنها أضرت بالنضال الوطني الفلسطيني حين انزلقت به إلى هاوية الإرهاب. تستعمل إيران حركة حماس في مزادها الدولي. فهي تعرف أن الغرب حين يفاوضها فإن عينه الخفية تظل مصوبة على إسرائيل. لذلك يمكن القول إن حروب حماس كلها كانت تجري في سياق أجندة إيرانية.

مشعل وهنية يضحكان في الدوحة ولكن صدى ضحكهما يصل إلى طهران باعتباره رسالة من تابع ذليل إلى ولي نعمته الماكر الذي وضع الدين في خدمة مشروعه السياسي بحيث يتفاوض في بغداد باعتباره ممثلا للعالم الشيعي ويفرض على السعودية أن تكون ممثلة للعرب السنة وهي لا تريد أن تكون كذلك.

حماس تنفذ المشروع الإيراني 

وراء ستار الولاءات الدينية تم تغييب الوطنية. لذلك لم يعد من وجهة نظر حماس وأخواتها طبيعيا أن يُتهم المرء بالتخابر مع دولة أجنبية ويُحكم عليه بالخيانة العظمى إن تلقى أموالا من تلك الدولة ونفذ أوامرها وإن كانت تتناقض مع مصالح ومصير شعبه.

يضحك مشعل وهنية لأنهما اقتنعا بأن شعب غزة صدقهما بأن الخيانة ليست سوى وجهة نظر. تلك فكرة مررتها حماس لتبرر من خلالها تعاونها مع إيران ودول أخرى من أجل إزعاج إسرائيل الذي لن يكون سوى سبب لتدمير البنية التحتية في غزة.

يضحكان على إسرائيل. ولكنهما يضحكان على الشعب الفلسطيني أولا. من خلالهما صارت إيران قريبة من إسرائيل. وهما عن طريق ذلك القرب يمكن أن يلعبا دور الوسيط الثانوي بين إسرائيل وإيران.

يبدو الإثنان في تلك الصورة كما لو أنهما انتصرا معا في لعبة البلاي ستيشن. وهما في ذلك إنما يعبران عن انتصار إيراني – إسرائيلي مشترك على العرب.

قد يعجبك ايضا