غزَّة قبل المِحنة ‼

بقلم – عبدالله حماد

غزَّة – تُصور حركة حماس حاكمة قطاع غزة بالحديد والنار منذ 17 عاماً بأن الحياة فيها بدون المنحة القطرية جحيم حقيقي وفقر وبطالة وأن المخلِّص لأزمات المواطنين هناك فقط هو إدخال الأموال القطرية وقد رسخت في أذهان أطفال ونساء ورجال غزة مفهوم المنحة بأنها معونات قطرية لمساعدة العائلات المستورة والمعوزة وفقراء غزة ورسخته من خلال ماكنة إعلامية كبيرة يديرها متخصصين في الإعلام وعلم النفس يعدونها بعناية مما رسمت صورة ذهنية بل ورسختها في عقول الناس ليتقبلوا كل ما تطلبه منهم حماس فعله من أجل إدخال المنحة القطرية إلى القطاع لتطبيق الإتفاقية الموقعة بين إسرائيل وحماس بوساطة قطر والتي وقعت على الهواء مباشرة وعلى مرأى ومسمع ملايين الناس وما زال الإعلام يبثها بين فترةٍ وأخرى والتي أوضحت بشكلٍ لا لُبس فيه ما هو المقابل لهذه المحنة “نبي هدوء” في طلب رسمي قدمه السفير العمادي لعضو المكتب السياسي لحماس خليل الحية بعد تسلميه حقائب الدولارات مقابل الهدوء.

والحقيقة على الأرض عكس ذلك حيث معظم هذه الأموال تذهب لجيوب قادة حماس ومشاريعهم الخاصة.

ولكن ما لا يعرفه الشباب والجيل الجديد أنَّ غزة قبل المنحة وقبل الإنقلاب الأسود الذي نفذته حماس بدعم أمريكي وإسرائيلي وقطري لتحقيق خطة فصل الضفة عن غزة التي كانت تعيش بحياة رغيدة تتوفر فيها كل مقومات الحياة الكريمة وكانت الكرامة الفلسطيينة فوق كل شيء.

فهل تعلمون أننا لم نكن نرى أطفالاً متسولين في الطرقات بهذا العدد وهذا الكم ولم نكن نرى قبل هذه المنحة اللعينة أطفالاً ونساء يعتلون حاويات القمامة يبحثون عن كسرة خبز أو بواقي الطعام من أجل سدِّ جوعهم فيه ولم نكن نرى شاباً يبكي لأنه لا يملك ثمن ساندويتش الفلافل ولم نكن نرى أب يحرق نفسه لأن أطفاله يتطورن جوعاً أمام عينيه ولا يستطيع توفير ربطة خبز لهم كما أننا لم نكن نرى شاب يحمل شهادة الدكتوراه ويجر عربة حصان ليجمع مصروفه اليومي.

في غزة وقبل المنحة لم نجد طوابير المواطنين تنتظر لتعبئة جالون الماء ولم نسمع بأنِّ الكهرياء إنقطعت لأيام ولا حتى لساعات ولم نسمع بأن الضرائب فُرِضت حتى على دخول المساجد والصلاة وعلى عربات تقل الخضروات يجرها أطفال يعملون بعشرة شواكل طول النهار خمسة لهم وخمسة لحكومة الأمر الواقع.

نعم فقبل هذا الإنقلاب الدموي وقبل هذه المنحة اللعينة لم نسمع عن شاب هاجر إلى خارج القطاع ولم نرى جثث شباب غزة وأطفالها ونسائها أصبحت طعاماً للأسماك في البحار ولم نسمع عن العثور على جثث الفلسطينيين على شواطئ اليونان وأوروبا بل كانت غزة مقصد الزائرين وملاذ الآمنين والسياح وطمئنت ساكنيها والقادمين إليها حتى في أصعب الظروف.

قبل المنحة وقبل الإنقلاب لم نكن نرى المعاقين والجرحى يملئون شوارع غزة وأزقتها يتحركون على كراسي متحركة ولم نرى منازل هدمت دون راعي يدرعى أصحابها ولم نرى الغنى الفاحش لقادة قبل سنوات كانوا يسيرون بالشوارع بأحذية بسيطة “شبشب”.

قبلها لم نرى ولم نسمع عن هدم القرى والبدات وتجريف الأراضي الزراعية للفلسطينين على أيدي فلسطينيين.

وقبلها لم نرى قتل أشخاص بسبب حرية الرأي المسلوبة، ولم نسمع عن الموت بمهمات جهادية ولم نسمع عن حالات نفسية تسببت بها سجون الأمن الداخلي.

بل كانت غزة منارة الوطن وقدوته ومنها تنبع العزة والكرامة وكانت فيها الحياة جميلة وبدون منغصات وفيها العرب والعجم وكل الأطياف يجتمعون على شواطها دون خوف أو وجل.

وفيها كان لنا ميناءً يستقبل البحارة من العالم وينقل أسماكها ومنتوجاتها الزراعية للعالم.

وفيها كان لنا مطاراً ينقلنا للعالم وينقل العالم لنا.

 

قد يعجبك ايضا