الجذور الفكرية للتطرف  

الجذور الفكرية للتطرف  

عانت البشرية من التطرف الفكري والتطرف الديني في مراحل مختلفة من التاريخ البشري. وربما لم تنجوا الكثير من الحضارات من مراحل تطرف وصلت إلى حد القتل والدموية. ولقد عاصرنا في العقود السابقة والأخيرة تطرفاً دينياً دمر دولاً وأنهى حضاراتها وبث الذعر في نفوس البشر وأعاد للإنسانية صراعات على أساس ديني قد تأتي على الأخضر واليابس. فلقد رأينا داعش وهي تقمع من يخالفها وتقتلهم بلا رحمة وتعيد أسواق النخاسة والعبيد للعالم مرة أخرى بعدد أن تحرر العالم من الرق. ورأينا الجماعات التكفيرية المسلحة تفجر الآمنين وتقتلهم بسعادة بالغة! 

والعجيب في أمر التطرف أن المتطرفين أياً كان فكرهم أو عقيدتهم الدينية لهم سمات وصفات مشتركة بينهم. 

وسأتطرق في هذه المقالة لبعض طرق التفكير المشتركة التي ينتهجها المتطرفون بجميع أنواعهم. 

النقطة الأولى: 

يفكر العديد من المتطرفين بطريقة “التعميم” فمثلاً يكون من السهل عليهم نعت من يتبع دين أو فكر معين بأنهم فاسدون لمجرد أن واحداً من أتباع هذا الفكر ارتكب خططاً أو جريمة ما.   

النقطة الثانية: 

 يتلاقى المتطرفون عامة في الفهم الحرفي لما يقرأون أو يسمعون. فمثلاً إذا قال لهم قائدهم أو زعيمهم الفكري أو الديني أن شرب الماء “حلال” فهم – أي المتطرفون – قد يفعلون ذلك أي يشربون ماءً حتى لو كان بجانبهم إنسان يموت عطشاً وتركوه يموت بجانبهم. فتفكير المتطرف “الحرفي” يخلق نوع من القسوة في القلوب وقد يتسبب في قتل إنسان أو في عذابه لأن المتطرف يطبق ما تعلم بحرفية مطلقة تجعله أعمى عن أمور أخرى قد تكون أكثر أهمية مثل إنقاذ حياة إنسان. 

النقطة الثالثة: 

عدم القدرة على نقد ما يتعلمه. فالإتباع الأعمى دون تفكير سمة عامة للمتطرفين فهم يتبعون ما يتم أمرهم به دون أي محاولة لمناقشته وكأنهم ألغوا عقولهم تماماً وسلموها كما نقول في اللغة الدارجة المصرية “تسليم أهالي” لمن يعطيهم هذه الأوامر. فلو فكر مثلاً إرهابي واحد أن تفجير قنبلة وسط سوق وقتل أطفال أبرياء قد يودي به إلى جهنم لأنه “قتل نفساً بغير نفس أو فساداً في الأرض” لتردد في تنفيذ فعلته البشعة ولأنقذ حياة الكثيرين. فإلغاء ملكة الفكر النقدي والعقل عند المتطرفين يجعلهم فريسة سهلة لفكر منحرف لا يعبأ بحياة البشر. 

النقطة الرابعة: 

حينما يقرأ المتطرف أو يسمع من الآخرين فإن عقله لا يرى ولا يسمع ولا يدرك إلا الحقائق التي تخدم قضيته وفكره وهي رفض الآخر وإيجاد سبب لكراهيته ولتبرير العنف ضده. فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن المتطرف قد يرى أن عدم إعطاء الكرة الذهبية من مجلة “فرانس فوتبول” المعروفة للاعب المصري محمد صلاح هي تعصب من الغرب ضد الإسلام والمسلمين. وفي نفس الوقت ينسى هذا الشخص – أي المتطرف – أن الغرب هو أيضاً من أعطى الفرصة كاملة لمحمد صلاح ليصل إلى أعلى المراتب العالمية في كرة القدم دون تفرقة ضده بسبب دينه أو عرقه. 

النقطة الخامسة: 

عدم القدرة على أن يرى نفسه في المرآة بمعنى أن المتطرف قد يثور إذا منعت دولة أوروبية مثلاً إقامة الآذان في الميكروفونات أو تم عمل تقييد على بناء مساجد إسلامية في دولة ما وفي نفس الوقت يرفض نفس المتطرف بناء كنائس أو معابد يهودية أو بهائية أو هندوسية في بلده! فيالها من شيزوفرينيا وياله من نفاق وكيل بمكيالين أن يثور هذا المتطرف ضد الآخرين إذا فعلوا مثلما هو يفعل بغيره من المختلفين عنه! 

ولا أسرد هذه النقاط دون أن أرها في سياق تطبيق عملي لوضع مناهج تعليمية متطورة لعلاج ومواجهة هذه الجذور الفكرية التي تساعد على نشر الكراهية والتطرف ومن ثم الإرهاب. 

المصدر- الحرة

قد يعجبك ايضا