الملف الذي لا يتحدث عنه الدويري : الممر الآمن ليس آمنا للفلسطينيين ويسجل يوميا حالات اعتقال واختفاء

وكالة وطن 24 الاخباريةيقدر المرصد الأورومتوسطي أن تل أبيب تحتجز 500 فرد من غزة لكن الجيش الإسرائيلي يتعامل مع هذا الملف على أنه أمني

قبل أسبوعين، قررت دعاء حماد برفقة زوجها وأطفالها الثلاثة النزوح من شمال قطاع غزة إلى جنوبه حيث المنطقة الإنسانية، وسلكت الممر الآمن الذي حدده الجيش الإسرائيلي للهاربين من قصف طائراته، إلا أن زوجها اعتُقل ولا تعرف عنه أي معلومات.

على الحاجز العسكري الذي نصبته إسرائيل وسط الممر الآمن، وهو الطريق الوحيد المخصص لتنقل الأفراد باتجاه واحد من الشمال إلى الجنوب، جرت حادثة اعتقال الفلسطيني بهاء أمام زوجته دعاء وأطفالهما.

اسمه “ممر آمن

تقول دعاء “اعتقدت بأنه ممر آمن ولا يحدث فيه أي اعتقال أو تنكيل، من اسمه الذي تطلقه عليه إسرائيل، وسلكته مشياً بحثاً عن بعض الأمان، لكن في منتصف الطريق اعتقل زوجي، وأنا لا أعرف مكانه ولا مصيره، إذا كان على قيد الحياة أو أعدم بدم بارد”.

يقع الممر الآمن في شارع صلاح الدين الرئيس في غزة ويربط جميع المحافظات ببعضها، وهو الطريق الوحيد المخصص لتنقل النازحين، ووسط هذا الممر نصبت إسرائيل حاجزاً عسكرياً يفصل القطاع إلى شطرين شمالي وجنوبي.

وتضيف دعاء أنه “عندما وصلنا إلى الحاجز العسكري كنا نسير مذعورين، وطلب منا الجنود رفع أيدينا للأعلى وحمل راية بيضاء للإشارة إلى أننا مدنيون مسالمون، وفعلنا ذلك، ثم دخلنا غرفة مزودة بكاميرات تتعرف إلى الوجوه، وعندما خرجنا منها صرخ علينا أحد الإسرائيليين وطلب منا التوقف”.

اقتياد وتقييد

وتتابع أن “أحد الجنود اقترب مني لتفتيشي، لكن زوجي رفض، فضربه الجندي على وجهه، وقال له ’إخلع ملابسك واستدر وتوجه نحو الحفرة‘، وبعدها أمرني بمواصلة طريقي سيراً برفقة أطفالي”.

بحسب دعاء، آخر ما شاهدته كان الجنود يقيدون يدي زوجها ويسيرون معه باتجاه الآليات المدرعة، ومنذ أن وصلت إلى جنوب القطاع وأخبار زوجها مقطوعة، وحاولت التواصل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر للحصول على أي أخبار عنه، لكنها لم تنجح.

ومنذ بدء الحرب على القطاع، تأمر إسرائيل سكان شمال مدينة غزة بإخلاء بيوتهم وإفراغ هذه المناطق من السكان.

ليست دعاء وحدها التي أبلغت عن اعتقال زوجها عند الحاجز العسكري الإسرائيلي، فثريا أيضاً عاشت التجربة ذاتها، مؤكدة أن الجنود اقتادوا زوجها لجهة غير معلومة أثناء نزوحهم بعد التنكيل به وبأطفالهما، وتقول “اعتقلوه ومشيت أبكي على حالي، وسلكت طريقاً طويلة وأنا حائرة ماذا أفعل وأين أذهب، وكيف سأحصل على معلومات عنه”.

أوتشا” تؤكد

يؤكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية “أوتشا” أن الجيش الإسرائيلي اعتقل عدداً من الأشخاص أثناء رحلة النزوح من الشمال إلى الجنوب عبر الطريق الوحيد الذي سمحت تل أبيب لهم بسلوكه بعدما أمرتهم بالمغادرة.

وأفادت “أوتشا” بأنها رصدت مرور عائلات منفصلة عبر الحاجزالعسكري، إما من دون الزوج أو من دون الزوجة، وأن هناك أطفالاً عبروا الحاجز بمفردهم بعد اعتقال أحد ذويهم أو كليهما عند نقطة التفتيش.

اعتقال طواقم طبية

ولا يقتصر احتجاز الأفراد الذين يمرون عبر الحاجز العسكري على المدنيين، وإنما شمل طواقم طبية وفرق إنقاذ، وفي هذا الشأن يؤكد مدير عام وزارة الصحة في غزة منير البرش أن الجيش الإسرائيلي اعتقل عدداً من الأطباء أثناء مرورهم من نقطة التفتيش بعدما فرض عليهم إخلاء مجمع “الشفاء” الطبي في مدينة غزة.

ويضيف أن “قوات إسرائيلية أوقفت قافلة أطباء لمدة سبع ساعات، على رغم التنسيق المسبق مع منظمة الصحة العالمية على الحاجز العسكري، وتعامل معهم الجنود بعنف شديد وانتهى الأمر باعتقال عدد منهم وعلى رأسهم مدير عام مجمع الشفاء محمد أبو سلمية”.

على إثر هذا الاعتقال، أوقفت وزارة الصحة التنسيق مع منظمة الصحة العالمية في موضوع إخلاء بقية الطواقم الطبية من مستشفيات غزة وشمالها، إذ يشير البرش إلى أن الأمم المتحدة لم تقدم تقريراً يوضح ما حدث وأن إسرائيل لا تحترم القانون الدولي الإنساني الذي يحمي الفرق الصحية.

عدم الإفصاح عن العدد

يقدر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن إسرائيل تحتجز 500 فرد من قطاع غزة عبر حاجز النزوح، ويقول مديره رامي عبدو إن “الممر الآمن تحول إلى مصيدة للاعتقال والتنكيل، وعمليات القتل خارج نطاق القانون”.

يقدر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن إسرائيل تحتجز 500 فرد من قطاع غزة عبر حاجز النزوح

ويضيف أنه “رصدنا حالات لمئات العائلات لا تعرف مصير أبنائها، وتتخوف من تعرضهم للقتل كما حدث مع عدد من المعتقلين. في الحقيقة لا يمكن الحصول على أية معلومة عن مصير المحتجزين من الجانب الإسرائيلي”.

ومن جانب رسمي، اتهمت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، تل أبيب بأنها تعتقل أفراداً من غزة، ويقول رئيس هيئة شؤون الأسرى قدورة فارس إن “أخطر ما يجري هو عدم إفصاح الجانب الإسرائيلي عن عدد المعتقلين ومصيرهم”.

ويردف أنه “في بداية الحرب علمنا من إسرائيل أنها اعتقلت 105 أفراد من سكان غزة، لكن لا نعلم مصيرهم، ومن المؤكد أن العدد ارتفع بعد مرور أكثر من 50 يوماً على القتال”.

ويؤكد فارس أن هيئة شؤون الأسرى خاطبت الجهات الإسرائيلية والدولية للحصول على معلومات تتعلق بعدد المعتقلين ومصيرهم، إلا أنهم لم يحصلوا على إجابات، ويتابع أن “هذا أخطر ما في الأمر، نتخوف من أن يكون تم قتلهم بعد اعتقالهم والتحقيق معهم، هذا التكتيم يعني أنه يمكن أن تنفذ بهم إسرائيل ما تريد”.

وأدلى نازحون بشهادات للأمم المتحدة تفيد بأن جنود الجيش الإسرائيلي نفذوا عمليات إعدام ميدانية لعدد من الأشخاص على الحاجز العسكري في غزة بعد اعتقالهم.

ملف أمني

وحتى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وهي الجهة الوحيدة التي تتواصل مع السلطات الإسرائيلية، لا تعرف أي معلومة عن المعتقلين، ويقول مدير بعثة الصليب الأحمر في غزة وليم شومبرق إنها “مأساة إنسانية لا تُحتمل، الناس يناشدوننا ليلاً ونهاراً ويلتمسون المساعدة، يتملكني شعور بالإحباط بسبب عجزي عن تلبية هذه النداءات، إذ تفتقر طواقمنا إلى الضمانات الأمنية الأساسية اللازمة للتحرك”.

إسرائيل تعتبر موضوع الاعتقالات أمنياً وترفض الكشف عن مصير المحتجزين

ويضيف “نتلقى مكالمات عدة من نازحين يبحثون عن أفراد عائلاتهم، يقولون إن الجيش الإسرائيلي اعتقلهم على الحاجز وهم يلوحون بالرايات البيضاء ويسيرون عشرات الكيلومترات أمام الجثث الملقاة على الطرقات. هذا أمر مخالف للقانون، ومن المهم جداً ألا يتفرق شمل أفراد الأسرة أثناء عمليات الإجلاء”.

إسرائيل تعتبر موضوع الاعتقالات أمنياً وترفض الكشف عن مصير المحتجزين، ويقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري “لا يمكننا توضيح هذه المسألة في الوقت الحالي”.

قد يعجبك ايضا